العلم الألماني

TT

الذين يتابعون معركة الرئاسة الفرنسية - على ذبولها - يلحظون عنوانا متكررا في كل مكان: «ساركوزي يسعى إلى تقليد النموذج الألماني».. أو «ساركوزي يستعين على معركته بالمستشارة أنجيلا ميركل». والحقيقة أنه في هذه الأزمة الكبرى التي تضرب أوروبا، تبدو ألمانيا مرة أخرى، المتقدمة في القارة، هي المصرف الاحتياطي في مجموعة من المفلسين، وهي المصنع المتقدم مهما نشط الآخرون، وهي المجتمع الأكثر تماسكا.

لكن يجب ألا ننسى أن شارل ديغول لم يقلد النموذج الألماني عندما بدأ بناء الجمهورية الخامسة (1958) المستمرة إلى اليوم، على الرغم من عهد الاشتراكي فرنسوا ميتران الذي بقي تحت مظلتها. أما الآن فمن متغيرات التاريخ العميقة أن تجاهر فرنسا بأنها تقلد دولة احتلتها وحاربتها وكانت عدوها الأول طوال مراحل.

تضع فرنسا جانبا كبرياء أقدم دولة في أوروبا، وأقدم استمرارية حكومية واجتماعية ولغوية وجغرافية منذ القرن الثاني عشر، لكي تكشف عن إعجاب بالنموذج الألماني وغيرة منه. لم يبدأ بريق النموذج بعد توحيد ألمانيا، بل منذ أن بدأت ألمانيا الغربية تتجاوز رفاقها القلائل آنذاك، في السوق الأوروبية. ثم فقدت فرنسا شيئا أكثر أهمية، هو سحر اللغة الفرنسية، عندما انضمت بريطانيا إلى الوحدة الأوروبية وازداد استخدام اللغة الإنجليزية اتساعا، حتى بدا أنها لغة أوروبا الرسمية الوحيدة.

على أن التفوق الاقتصادي، قبل الوحدة وبعدها، ظل في ألمانيا التي انتخبت مستشارة لها محامية من القطاع الشرقي الذي كان معزولا خلف جدار رملي. وثمة نية مضمرة في الصورة التي يلتقطها نيكولا ساركوزي مع أنجيلا ميركل في برلين. إنه يحاول أن يطمئن الفرنسيين إلى أنهم سوف يكونون في حماية شريك اقتصادي ناجح، ولن يتعرضوا للضنك الذي تعاني منه دول أوروبية كثيرة. إنه حليف وشريك القطب الألماني، الذي يبدو ناجحا وقديرا في الحرب الباردة أو بغير حرب.

أحيانا يكون الخصوم أفضل الحلفاء. هكذا تبدو معركة ساركوزي اليوم. وينسى منافسوه الاشتراكيون أن العم الاشتراكي فرنسوا ميتران فكك فرنسا الاشتراكية بعد عامين من وصوله للحكم عام 1981. في الماضي كان الشيوعيون يلعبون دورا مهما في المعركة، لكن اللون الأحمر بهت كثيرا في الحياة الفرنسية، وكذلك قاموس اليسار الذي كان لغة أهل النخبة، عن قناعة أو عن موضة.

تحاول الصحافة الفرنسية إثارة شيء من الاهتمام بتكبير العناوين وتلوينها حول أخبار المعركة. وتبسط «اللوموند» عنوانها الأول على عرض صفحتها الأولى، وأعتقد بغير جدوى. فالصحف الكبرى تحاول استعادة قرائها وليس ناخبي الجمهورية. وعبثا.. عبثا، لا هذا ولا ذاك. فهذه معركة من دون همة، يحاول فيها ساركوزي تبني بعض أفكار الاشتراكيين السابقة، ويحاول الاشتراكيون والمستقلون مسابقته ومسابقة أنفسهم.. ويتعثرون. وفي مثل هذه الحال الضعيفة، من المستحسن رفع العلم الألماني.