هل حان الوقت للاستثمار في قطاع التصنيع البريطاني؟

TT

في آخر مقالاتي، ركزت على المملكة العربية السعودية وأبوظبي. وفي هذا الأسبوع، أنظر عن قرب إلى أرض الوطن من جديد، مع قرب إعلان الحكومة البريطانية عن ميزانيتها لعام 2012-2013 أواخر هذا الشهر. أدرك أن تشجيع التجارة سيكون سمة مميزة فيها. ويروق لي أن أشير باختصار إلى 3 قطاعات توفر فرصا: التصنيع والبنية التحتية والخدمات المالية. ومن ثم، فالسؤال هو: هل هذا وقت مناسب للتطلع إلى الاستثمار في قطاع التصنيع؟

إن التصنيع يشكل أهمية. فهو يحقق خمس الناتج المحلي لبريطانيا، ويعمل به 4 ملايين شخص وينتج غالبية صادراتنا. ثمة فرص كثيرة، عندما يسلط الضوء على قطاع التصنيع. تتمتع بريطانيا بالكثير من المميزات، التي تضم قاعدة علمية على مستوى عالمي. وبحسب الحكومة البريطانية، تضاهي أفضل شركات التصنيع البريطانية أفضل شركات التصنيع في العالم في تطوير منتجات جديدة، وفي عمليات الإنتاج المبتكرة والتسويق والخدمات – كل عناصر سلسلة القيمة المعقدة للتصنيع.

ليس من المستغرب أن بريطانيا تتطلع لتوسيع قاعدة التصنيع الخاصة بها، لكن يجب الاعتراف في البداية بأن بريطانيا قد ظلت بين أعلى 10 دول مصنعة خلال العقود القليلة الماضية. عادة ما تشوه تلك الحقيقة؛ إذ إن قطاعات الخدمات قد نمت بسرعة هائلة، ومن ثم، قللت من التصنيع، كنسبة من إجمالي الناتج المحلي، وتتمثل الخطة في تحسين الإنتاجية والتنافسية وتوفير وظائف أعلى أجرا للعاملين بقطاع التصنيع وإدرار عائدات أعلى للمستثمرين في هذا القطاع.

ثمة نشاط مرة أخرى. وتجري الشركة الهندسية «جي كيه إن» المدرجة على مؤشر «إف تي إس إي 100» محادثات بهدف الاستحواذ على أكبر شركات الفضاء السويدية. وتبدو شركة «جي كي إن» قريبة من الفوز بعطاء قيمته 1.2 مليار دولار أميركي للاستحواذ على شركة «فولفو» المتخصصة في صناعة الطائرات، والتي تقوم بتصنيع محركات ومكونات لأكبر شركات تصنيع المركبات الفضائية في العالم. وفي حالة إتمام تلك الصفقة، ستكون بمثابة واحدة من أكبر عمليات الاستحواذ التي تنهض بها شركات تصنيع بريطانية منذ أزمة البنوك. إنها علامة إيجابية جدا.

قبل وضع الميزانية، يدخل كل شيء في إطار التكهنات، ولكننا نمضي على أي حال. يبدو الأمر كما لو أن وزير المالية، جورج أوسبورن، سوف يسعى إلى جعل بريطانيا موقعا أكثر جذبا لإتمام الصفقات. ومن المتوقع أن يجري مزيدا من التخفيضات في ضريبة الشركات، وربما يبدأ خطة لتقليلها إلى نسبة 20%، لتكون أقل بنسبة كبيرة من اقتصاديات غربية كبرى أخرى. وتقول المصادر إن وزير المالية سيعطي أولوية للأعمال التجارية. لقد قام بالفعل بخفض ضريبة الشركات من 28 إلى 25%، فضلا عن أنه سيخفضها إلى نسبة 23% بحلول عام 2015. يبدو ذلك هدفا جديدا لسنوات لاحقة، ويأتي ذلك بالمقارنة مع المعدل الأساسي في أميركا والمقدر بـ25%، وبالمعدل في فرنسا والمقدر بـ33.3%، ورغم أن نسبتها أقل في ألمانيا، حيث تقدر بـ15%، فإن هناك ضرائب اجتماعية أخرى تجعل قيمة الضريبة الفعلية تعادل 30%. ويعتبر هذا كله جزءا من السعي للحفاظ على بريطانيا كموقع جذاب للاستثمار في الصناعة. بالطبع، ما زالت بريطانيا واحدة من أكثر الدول ترحيبا بالاستثمار الدولي. ومن المرجح أن يتمثل جزء آخر من الإجراءات الملائمة للأعمال التجارية في تفاصيل خطط البنية التحتية.

وتخطط الحكومة البريطانية لتهيئة بيئة تسهل الاستثمار من خلال صناديق التقاعد وصناديق الثروة السيادية في البنية التحتية البريطانية. وفيما تستثمر صناديق التقاعد، بدرجة ما، في البنية التحية بالفعل، إلا أن مستوى الاستثمار منخفض مقارنة ببعض الدول الأخرى. ويكمن جزء من التفسير في فجوة المعرفة التي تواجه صناديق التقاعد في أعقاب انهيار صناعة التأمين أحادية الخط. وتتمثل إحدى وسائل مواجهة تلك المشكلة في تصنيف المشروعات على الوجه الملائم. وربما يسهل تصنيف منطقي على مستوى الاستثمار من وكالة تصنيف ائتماني تنفيذ صندوق تقاعد استثمارا في أحد المشروعات.

ولضمان تحقيق تلك التصنيفات، للمشروعات الكبرى الخاصة بالشراكة بين القطاعين العام والخاص على الأقل، ربما تفكر الحكومة في توفير تعزيز ائتماني على شاكلة مقترحات بنك الاستثمار الأوروبي والاتحاد الأوروبي الحالية، مثل التأمين ضد الخسارة الأولى. ونظرا لأن ثمة احتمالا كبيرا أن تظهر صناديق التقاعد اهتماما بالاستثمار في مرحلة ما بعد الإنشاء الأقل خطورة في أحد المشروعات، كما يزداد احتمال تركيز البنوك على القروض قصيرة الأجل، فإنه عادة ما ركزت الحلول لمشكلات تمويل المشروعات على طرق لمزج قروض البنوك قصيرة الأجل أثناء مرحلة الإنشاء مع التمويل طويل الأجل الموجه على مستوى مؤسسي لمرحلة التشغيل. وهذا، بالطبع، يثير مشكلة خطر إعادة التمويل، ومن ثم ربما يتمثل تدخل مفيد بالنسبة للحكومة في تأمين عملية إعادة تمويل ما بعد الإنشاء.

حضرت اجتماع مائدة مستديرة لمجموعة «سيتي إنستيتيوشنز» في ديسمبر (كانون الأول) 2011. والذي أشار إلى الحاجة لحوار أفضل بين المستثمرين والمطورين. وكان مفاد الرسالة المستفادة من الحدث أنه لم يكن هناك نقص في الأسهم العادية الجاهزة لاستغلالها في الفرص «المناسبة».

وسيأتي معظم تلك الأسهم من صناديق التقاعد.

ووفقا لبحث أجرته مؤخرا مؤسسة «سيتي يو كيه»، التي تدعم المنافسة الدولية لقطاع الخدمات المالية، تمتعت أصول التقاعد العالمية بثالث عام من الانتعاش على التوالي في عام 2011، بزيادة نسبتها 3% لتصل قيمتها إلى 30.9 تريليون دولار. وجاءت الزيادة بعد انتعاشة بنسبة 10% في عام 2009 وبنسبة 11% في عام 2010.

وتظل المملكة المتحدة، التي يبلغ إجمالي حجم أصول تقاعدها 3 تريليونات دولار ثاني أكبر سوق في العالم، حيث تمثل نسبة 10% من إجمالي الأصول. ولا يفوق الأصول البريطانية سوى السوق الأميركية، حيث تشكل الأصول التي تبلغ قيمتها الإجمالية 17.4 تريليون دولار أكثر من نصف إجمالي الأصول العالمية (58%).

أنتقل الآن للحديث عن مؤسسة «ذي سيتي يو كيه»، من المفترض أن تستفيد الشركات عبر أنحاء المملكة المتحدة من شراكة جديدة بين سلطة مركز دبي المالي العالمي ومؤسسة «ذي سيتي يو كيه».

ووقع مركز دبي المالي العالمي مذكرة تفاهم مع مؤسسة «ذي سيتي يو كيه» لمشاركة الخبرة المالية والقانونية والتنظيمية والتعاون في مجالات اهتمام مشترك، من بينها توطيد روابط أقوى في مجالات التعليم والتدريب والمؤهلات. ومن المنتظر أن يمثل الاتفاق دفعة قوية للصادرات البريطانية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، حيث تمثل الإمارات العربية المتحدة بالفعل قيمة 3.9 مليار دولار من الصادرات البريطانية. وقد تم التوقيع على مذكرة التفاهم من قبل كريس كامينغز، الرئيس التنفيذي لمؤسسة «ذي سيتي يو كيه»، وعبد الله العور، الرئيس التنفيذي لسلطة مركز دبي المالي العالمي، وكان ذلك بحضور عبد الله محمد صالح، محافظ مركز دبي المالي الدولي، وعمدة مدينة لندن. إذن، ربما يكون هذا هو الوقت المناسب لدراسة فكرة الاستثمار في بريطانيا. ويمكن أن يحقق التصنيع عائدات ويكفل تبادل المعلومات؛ دائما ما يعتبر الاستثمار الآمن في البنية التحتية جذابا بالنسبة لقطاع الخدمات المالية الذي يوسع نطاق أهدافه.

وبالحديث عن التمويل، اتخذت اليونان خطوة حاسمة يوم الجمعة الماضي من أجل تجنب الإفلاس، من خلال اتفاق غير مسبوق لتقليل حجم الديون، على نحو يسمح لوزراء مالية منطقة اليورو بالإعلان عن أن ثاني حزمة إنقاذ تسير في المسار الصحيح. ويعني هذا الحدث أن اليونان مستعدة الآن لسداد الديون التي يحين أجل استحقاقها قريبا، ولديها فرصة ثانية لإعادة بناء اقتصادها المنهار، فيما قد تجنبت منطقة اليورو فوضى العجز عن السداد التي كان من الممكن أن تزعزع استقرار الأسواق المالية العالمية. غير أنها قادت أيضا مجموعة رئيسية من المشتقات للإعلان عن أن اليونان قد شهدت حالة «عجز عن السداد» تستلزم سداد قيمة اتفاقات تأمينية تعرف باسم مبادلات العجز عن السداد للمستثمرين في السندات اليونانية.

وصوتت لجنة تابعة للجمعية الدولية للمبادلات والمشتقات بالإجماع على الإعلان عن حادث عجز عن السداد بعد أن وقع غالبية الدائنين من القطاع الخاص في اليونان على مبادلة دين تهدف إلى شطب 107 مليارات يورو (140 مليار دولار) من دين اليونان. ويذكر أن مسؤولين بالاتحاد الأوروبي سبق أن رحبوا بارتياح تجاه أكبر مبادلة دين تجرى على الإطلاق. والسؤال هو: هل هذه نهاية المشكلة؟ كلا، للأسف، يجب أن أتفق مع المحللين الماليين الذين حذروا من أن المشكلة اليونانية قد تم احتواؤها، لا القضاء عليها، وتبدو بريطانيا، التي تعتبر جزءا من أكبر سوق في العالم، إلى جانب كونها واحدة من أكثر دول التجارة المفتوحة في العالم، موقعا مثاليا للمشاركة والاستثمار.

* جون ديفي هو أستاذ زائر بكلية إدارة الأعمال بجامعة لندن متروبوليتان رئيس مجلس إدارة شركة «ألترا كابيتال».