ربيع الأصوليين.. أم خريف العروبة؟

TT

هل سيكتب المؤرخون، يوما، أن ما سمي بالربيع العربي إنما كان خريف القومية العربية؟! وأن حلم انبعاث «الأمة العربية» وتوحدها، الذي دغدغ مخيلة الأجيال العربية طوال القرن العشرين، قد تحطم عند صخور الواقع الإنساني والاجتماعي العربي، وأمام المصالح الدولية المتنافسة على الأرض العربية، ومن جراء فشل الأنظمة السياسية التي حكمت الدول العربية، بعد استقلالها، في تحقيق أماني شعوبها؟ ولا سيما فشلها في التغلب على التحدي الإسرائيلي؟!

نظرة سريعة إلى الواقع العربي الراهن تكفي للدلالة على مدى التمزق الذي أصيبت به معظم الدول العربية وعلى غياب العمل العربي القومي المشترك، المؤشرين على ما ينتظر الأمة العربية، من مصير غامض أو مجهول.

إن الخطر الأول الذي بدأت معالمه تلوح في الأفق هو التقسيم الذي بدأ في السودان، وانتقل إلى ليبيا، ولم يتوقف الحديث عنه في العراق بعد تحريره من حكم صدام حسين، ولا في اليمن بعد تغيير رأس النظام فيه. كما بات، اليوم، يتردد في سوريا. وقد يمتد هذا النزوع التقسيمي إلى لبنان وإلى المغرب العربي. ومن يدري، إذا توفرت أمام هذه الدعوات الانفصالية، العرقية أو الطائفية أو المذهبية، الظروف والعوامل المشجعة والدافعة، فقد يرتفع عدد الدول العربية الأعضاء في جامعة الدول العربية من عشرين إلى ثلاثين أو أكثر. هذا إذا بقي من ضرورة لوجود «جامعة عربية».

أما الخطر الآخر الذي بات يهدد نظرية أو عقيدة القومية العربية فهو إحياء النزاع السني - الشيعي، والنزاع العربي - الإيراني، بعد قيام الثورة الخمينية في إيران، وانعكاسهما أو تداخلهما مع النزاعات والمصالح الوطنية والدولية المتنافسة في الشرق الأوسط.. بل وتغلبهما على رابطة العروبة وعلى أي استراتيجية عربية أو إسلامية، عسكرية أو سياسية، لصد الخطر الإسرائيلي أو على الأقل لإقامة دولة فلسطينية.

أما الخطر الثالث على العروبة، قومية كانت أم مؤسسية أم مصيرية، فهو صعود المد السياسي الإسلامي الأصولي المرشح، كما يبدو حتى الآن، لاستلام الحكم في الدول العربية التي مر عليها الربيع العربي. صحيح أن العقيدة الدينية - السياسية الأصولية لا تتنكر للعروبة ولا للروابط القومية العربية، ولكنها مبدئيا تحمل معها نظرة جديدة إلى الحكم والمجتمع وحقوق الإنسان والمصالح الوطنية والعلاقات الدولية، تختلف عن النظرة القومية أو الوطنية أو الديمقراطية بمفهومها المعاصر. وإزاء هذا المشروع الأصولي الإسلامي الذي يتجاوز حدود العالم العربي، سوف تتضاءل المصلحة القومية العربية، بل والمصلحة الوطنية في كل بلد عربي، وتتراجع وراء النظرة الدينية السياسية إلى المصير.

أما الخطر الرابع فهو العولمة المقترنة بالديمقراطية الجديدة، ذات البعدين الدولي والإعلامي - المعلوماتي؛ فالحكم الأصولي الإسلامي، تقليديا كان أم جديدا، سوف يكتشف أن هناك عالما جديدا بات قائما بسبب حتمية ترابط مصالح الشعوب أمام التحديات الكبرى التي تواجه البشرية، كما سيكتشف أن الأجيال العربية والإسلامية الجديدة باتت متعلقة بقيم إنسانية وثقافية واجتماعية عصرية مختلفة عن قيمه، وأنها تملك سلاحا إعلاميا ومعلوماتيا أقوى من أسلحة الدولة المشروعة وغير المشروعة، وأن الديمقراطية التعددية والحرية وتداول السلطة والسلام، هي القاعدة المستقبلية لكل أنواع الحكم وأسمائه، وأن هذا العالم الجديد يتنافى مع أي حكم عقائدي، قوميا كان أم ماديا أم دينيا، يضحي بالإنسان من أجل العقيدة.

إن مغامرة المصير القومي العربي لم تنته عند أبواب الربيع الأصولي السياسي، بل دخلت مرحلة تاريخية جديدة قد تكون الديمقراطية عنوانا لها، أو الفيدرالية أو اللامركزية، أو تقسيم الكيانات الوطنية العربية القائمة، مودعة ذلك الحلم الجميل الذي شكل أعز أماني الأجيال العربية السابقة: حلم الوحدة القومية للأمة العربية.