رسائل شخصية

TT

شغلتنا الرسائل الإلكترونية المسربة للرئيس السوري بشار الأسد وزوجته وأفراد من الدائرة الضيقة من المقربين، التي تناقلتها وسائل إعلام وأسهب في التحقق منها خبراء، وأقر بصدقيتها أشخاص كثر ممن وردت أسماؤهم فيها، على ما أكدت صحيفة «الغارديان» البريطانية التي نشرت تلك المراسلات.

قدمت لنا الرسائل صورة غير تلك التي كنا قد توهمناها عن الأسد وعائلته وجماعته في أوقات كالتي تعيشها سوريا اليوم. كان خيالنا منحصرا باحتمالات اجتماعات متواصلة وارتباك وقرارات صارمة تصدر عن مجموعة ضباط ومسؤولين قساة.

كنا دائما نتساءل ما إذا كان الرئيس السوري ينظر إلى صور القتل البارد وما يردده السوريون علنا بحق جلاديهم وبحقه هو شخصيا. كثيرا ما تساءلنا عن دور زوجته ومدى إدراكها لحقيقة القتل الممنهج الدائر تحت مسؤولية زوجها وإدارته، وهي التي روج لها الإعلام السوري وبعض العالمي صورة السيدة العصرية التي تحاول دعم جهود زوجها في التطوير.

ليست لتلك المشاهد المتخيلة أي علاقة بما عكسته الرسائل المسربة.

ما تقوله تلك الرسائل هو فداحة تلك المسافة التي تفصل بين الرئيس واهتماماته وعائلته، وبين ما يعيشه السوريون المنتفضون، إذ بدا جليا أن العنف والقسوة البالغة الممارسة على السوريين من قبل الأمن والشبيحة لا تعني العائلة الحاكمة، ولا تغير في وقائع أيامها.

قالت لنا تلك الرسائل ماذا تتسوق أسماء الأسد، وما هي الموسيقى التي يتلهى بتحميلها الرئيس السوري، ومن هنّ مستشاراته وما علاقته بهن، وأي نوع من النصائح يتلقى، ولمن يصغي في هذه المرحلة الحرجة التي تمر بها سوريا.

شغلتنا رسائل الأسد إلى حد بتنا نسأل كيف سمحنا لأنفسنا بالانجراف وراء الفضائحية الطاغية على تلك الرسائل في مقابل المأساة التي لا تكف عن التجدد يوميا في شوارع سوريا..

لكن الفضائحية في حالة رسائل الأسد المسربة مزدوجة.

إنها هذه الفضائحية التي تمترست خلفها بعض صحف ووسائل إعلام «الممانعة» العربية لعدم نشر تلك الرسائل والامتناع عن التعليق عليها.

إنها وسائل الإعلام نفسها التي احتفلت بتسريبات «ويكيليكس» التي لم تكن تقل فضائحية أيضا، ولم يسلم العام والخاص فيها، ومع ذلك بدا أن نشرها مبرر، بل مفيد للرأي العام وكاشف لزيف كثر.

لكن هناك من تردد ورأى في نشر رسائل الأسد انتهاكا لحرمات وخصوصيات مفترضة.

الخصوصية هنا تشمل مجتمعا بأكمله، ذاك أن السيدة الأسد تتسوق بموازاة قتل يومي يمارسه النظام الذي يمول تسوقها. كما أن الرسائل لم تقتصر على التسوق، إنما أيضا على تفاصيل آليات الاستشارة والقرار. فالسيد الرئيس لا يستشير من عينه مستشارا، بل شابات يعتقد أنهن أكثر قدرة على مخاطبة الغرب، وهنا يمكن أن ندرك كم أن بشار الأسد غير راغب في مخاطبة السوريين، وهو لا يقيم وزنا لردود فعلهم على ما يقول، والأفدح أنه لا يكترث بآلامهم وفداحة ما ينزله بهم.

diana@ asharqalawsat.com