لماذا ترفض تركيا التدخل العسكري في سوريا؟

TT

مع مرور سنة على الثورة داخل سوريا، تستمر روسيا والصين وإيران في محاولاتها شراء الوقت للرئيس السوري بشار الأسد. في الواقع، سواء على الصعيد الداخلي أو الخارجي، فإن الضغط على الأسد يتصاعد باستمرار، وتزداد التحديات التي تواجه بقاء نظامه.

مدعوما بحلقة صغيرة من الحلفاء، يواصل النظام السوري سياسته العدوانية تجاه الثوار والمتظاهرين، مما يسفر عن مقتل العشرات يوميا، مع خلق أزمة إنسانية خطيرة.

تقديرات الأسد أنه لا يزال لديه متسع من الوقت لقمع التمرد، فأغلب كبار المسؤولين حوله ما زالوا أوفياء له، لكن شعورهم بالإحباط ينمو يوما بعد يوم. صار معروفا سبب فشل المجتمع الدولي في تبني قرار في مجلس الأمن يدين سوريا، إذ يرجع ذلك إلى روسيا ودعم الصين المستمر لنظام الأسد. في موازاة ذلك، فإن الإدانة العلنية لنظامه من مختلف الأطراف، كفرنسا وتركيا، وتسميتهم ما جرى في حمص «جريمة ضد الإنسانية»، والدعوات لمحاكمة الرئيس السوري في لاهاي، لم تكن لها آثار ملموسة تذكر.

تركيا، التي نصحت رعاياها الأسبوع الماضي بمغادرة سوريا، تخشى على وجه الخصوص من تدفق اللاجئين إلى أراضيها. لا تزال أنقرة تأمل في تجنب الوصول إلى وضع داخل سوريا يستدعي التدخل العسكري الأجنبي، انطلاقا من خوفها من ألا تكون هناك استراتيجية خروج واضحة، وبالتالي تستمر الفوضى في سوريا لفترة طويلة. وهذا في رأيها من شأنه أن يزيد من احتمال تعريض الحدود بين تركيا وسوريا إلى الأخطار، ويؤزم الوضع الأمني العام. والموقف التركي على وجه الخصوص يتخوف من استغلال حزب العمال الكردستاني للوضع، وقد بدأ بالفعل هذا الشيء، كما أن أنقرة تتخوف من احتمال أن تتدهور علاقاتها مع طهران وموسكو.

من جهة أخرى، عندما طُلب مؤخرا من فريق من الضباط الأميركيين إعداد خطط للطوارئ تكون جاهزة للتنفيذ في غضون شهرين أو ثلاثة أشهر، مع التأكيد عليهم بأن الخطط ستبقى للطوارئ وليست خطوة نحو التصعيد في سوريا، جاء تصور القوات الجوية الأميركية أن يكون مقر العملية العسكرية ضد نظام الأسد في قبرص، لكن الفريق لم يكن متأكدا ما إذا كانت تركيا سوف تلعب دورا كبيرا في العملية أم لا.

في الداخل السوري، تعمل المعارضة جاهدة لكسب التأييد والدعم من الأطراف الإقليمية والدولية، لكنها حتى الآن لم تنجح في وضع جدول أعمال موحد على الرغم من نصائح الدول لها، ولهذا لم يبرز حتى الآن بديل واضح لنظام الأسد. فالمجلس الوطني السوري يعاني من انقسامات داخله، وانشق عنه مؤخرا الأعضاء الأكثر ليبرالية، على الرغم من الجهود التي يبذلها المجلس لإنشاء جهاز تنسيق ودعم لـ«الجيش السوري الحر».

في هذا الوقت، يستمر الجيش النظامي السوري وقوات الأمن التابعة للأسد في تنفيذ الأوامر بشكل رئيسي، لكن ثمة مؤشرات متزايدة على أن الروح المعنوية بدأت تنهار، إذ إن هناك أعدادا كبيرة من المنشقين لكنهم لم يصلوا بعد إلى تشكيل «الكتلة الحرجة». وقد عزز مئات من «الحرس الثوري» ومقاتلي حزب الله وضع القوات السورية، فهؤلاء وصلوا من إيران ولبنان للتعويض عن «العجز في الولاء» بين العسكريين السنة، الذين يعرف النظام أنه لا يمكنه الاعتماد عليهم كليا عندما يتعلق الأمر بمحاربة الثوار. وكان لوحظ أن نحو 3 آلاف جندي، من بينهم ضباط كبار، انضموا إلى الثوار في الأشهر الأخيرة.

بالنسبة للضغوط الاقتصادية، فإن الصراعات الداخلية الجارية والعقوبات الدولية أدت إلى أشهر من الركود، وازدياد التضخم، وارتفاع معدل البطالة، وتدهور قيمة الليرة السورية (فقدت أكثر من 50 في المائة من قيمتها)، واستنزاف احتياطي العملات الأجنبية مع تضاؤل الأمل في الوقت الحاضر في أي استثمار داخلي. ولهذا طلب السوريون من إيران تزويدهم بالنصائح والحيل لتجاوز عقوبات مالية جديدة من أجل تسهيل التحويلات المالية الدولية عبر مصارف في روسيا والصين وأيضا في بيلاروسيا.

وقد لوحظ أن العلاقات بين مينسك ودمشق تطورت في الأشهر الأخيرة، خصوصا بعد موافقتها على بناء مصنع لمعدات خاصة بتطوير قدرات صواريخ أرض - أرض. جاء هذا إثر مفاوضات جرت بين شركة الأسلحة «بيلفنيشبرومسيرفيس» في روسيا البيضاء، والشركة السورية الرئيسية التي تستخدمها الدولة لشراء الأسلحة ذات الاستخدام المزدوج (منظمة الصناعات التكنولوجية). عناصر من النظام الإيراني شجعت على التعاون السوري مع بيلاروسيا، معتمدة على تجاربها الإيجابية في هذا المجال. وقد وافقت إيران على التمويل الكامل للمصنع مقابل أن يتضمن الاتفاق بندا ينص على تزويد نصف الصواريخ المحسنة لحزب الله في أسرع وقت (الجدول الزمني أوائل عام 2014).

كل هذا الدعم من روسيا والصين وإيران، وما حققه من «انتصارات عسكرية» في المدن السورية، لم يمنح الأسد الطمأنينة المطلوبة لبقاء نظامه. وحسب دراسة صدرت حديثا، فإن الأسد ومعاونيه وضعوا خطة من أجل إقامة دولة علوية على امتداد ساحل البحر الأبيض المتوسط. وذكرت دراسة أعدها مركز القدس للدراسات السياسية، أن الأسد سيقيم دولة يسيطر عليها العلويون وتضم الأقليات الأخرى. وقد تليها إمارات سنية، وكيانات درزية وكردية.

واضع الدراسة هو عريب الزنتاوي، المقرب من الديوان الملكي الأردني. الدراسة التي وضعت في 12 من الشهر الحالي أثارت المخاوف، لأنها تعكس ما تتوقعه الحكومة الأردنية من احتمال تقسيم سوريا إلى كانتونات عدة، تهيمن على كل منها مجموعة عرقية أو دينية مختلفة.

إذا سار الوضع السوري على الدرب الذي سار عليه لبنان - أي أن تطول الحرب الداخلية، ومن سار على تلك الدرب وصل حتما إلى الحرب الأهلية - فإن موضوع التقسيم قد يكون بعيدا، خصوصا أن سوريا دخلت في تجاذبات العلاقة الأميركية - الروسية. إن احتمال تغير الموقف الروسي ليس واردا. واشنطن لن تضغط على موسكو في الشأن السوري، يهمها مستقبل تعاونهما في ما يتعلق باستعمال الأراضي الروسية لتوصيل الدعم إلى قوات التحالف في أفغانستان. إنها الآن تستعمل «شبكة التوزيع الشمالية» (تربط موانئ البلطيق وبحر قزوين مع أفغانستان عبر روسيا وآسيا الوسطى والقوقاز). فلأفغانستان الأولوية على سوريا.

أيضا، برزت خطة السنوات الست المقبلة من رئاسة فلاديمير بوتين، حيث وضعها في وثيقة من 40 ألف كلمة تحت عنوان «روسيا والعالم المتغير»، اتهم فيها بوتين الولايات المتحدة بالذات بالتدخل في الشؤون الداخلية للدول والحث على تغيير الأنظمة تحت ادعاء «تعزيز الديمقراطية»، كما اتهمها بزعزعة الاستقرار في الشرق الأوسط بدعمها الربيع العربي. وفي الوثيقة يؤكد بوتين أنه سيتخذ إجراءات «عدوانية» ضد معارضيه داخليا، ودوليا بإعادة نفوذ روسيا في آسيا الوسطى حيث هناك تصور بأن الولايات المتحدة تسعى للسيطرة على ما يراه بوتين «مجال النفوذ الروسي». وأخطر ما شرحه بوتين كان أن التدخل الأميركي في الدول كان السبب الرئيسي وراء سعي دول مثل كوريا الشمالية وإيران إلى امتلاك القدرة النووية.

في بريطانيا، ألعاب أولمبية واحتفالات ملكية، في أميركا انتخابات رئاسية، ولا وقت للتدخل العسكري. إنها الحرب الداخلية في سوريا.