سوريا: المعارضة بحاجة إلى الوحدة لا التوحد!

TT

بينما كنت أتناول العشاء ذات ليلة، وجدت نفسي غارقا في جدل حول سوريا، وكنت أدافع عن وجهة نظر مفادها أنني لا أتوقع أن يفرز التغيير في النظام السوري شيئا أسوأ من بشار الأسد.

كان الطرفَ الآخرَ في ذلك النقاش عالم بريطاني، ومحرر إسرائيلي، وصحافي فرنسي من أصل جزائري، وكل ما كان يشغلهم هو أمر واحد، استيلاء الإسلاميين على السلطة في دمشق.

وعندما اتضح جليا أن المشادات الكلامية لن تؤدي إلى أي نتيجة، خرج علينا العالم الإنجليزي بحله السحري حين قال: «أستطيع أن أثبت أنك على خطأ بكلمة واحدة... الكلمة هي إيران»! ثم أومأ بعض الضيوف برؤوسهم تعبيرا عن الموافقة.

وبالطبع يكمن النقاش في أنه في عام 1979 حدث تغيير في النظام في إيران باسم الحرية والديمقراطية، ولكنه انتهى بنظام الخميني الفاشي الذي اضطهد الشعب الإيراني وحاول تدمير الثقافة الإيرانية.

لكن القياس لا يقتصر فقط على سوريا، حيث يعتقد بعض العلماء الغربيين أنه محكوم على المسلمين أن يعانوا من الأنظمة السيئة؛ لأن ما قد يحصلون عليه في المقابل قد يكون أسوأ. قرر بعض «الخبراء» على جانبي المحيط الأطلسي أن «الربيع العربي» قد فشل بالفعل.

هل هو قدر دول «الربيع العربي»، بما فيها سوريا، أن تكرر التجربة الإيرانية؟

إجابتي هي لا.

والسبب الأول لهذه الإجابة هو أنه بفضل الانفجار المعلوماتي، قد أصبح الناس على وعي تام بما حدث في إيران. أما السبب الثاني، والأهم، فهو أن الكثير من النشطاء السياسيين المسلمين اليوم مصممون على عدم تكرار الخطأ الذي وقع فيه نظراؤهم الإيرانيون في سبعينات القرن المنصرم.

لقد تبنى معارضو الشاه، في تلك الأعوام الحاسمة، المبدأ الميكافيلي «الغاية تبرر الوسيلة». ولشدة رغبتهم في رؤية نهاية لحكم الشاه، كان هؤلاء المعارضون على أتم استعداد للكذب بشأن كل مناحي الحياة في إيران.

صرح أكبر غانجي، ناشط سابق مؤيد للخميني وعضو في قوات الحرس الثوري الإسلامي، في مقابلة أجريت معه مؤخرا: «لقد كذبنا فيما يخص الشاه. لقد كذبنا حينما قلنا إن حكومة الشاه تعتقل 150.000 سجين سياسي، وهذا الكلام كان محض كذب. لقد كذبنا عندما قلنا إن حكومة الشاه قد قتلت (المؤلفين) صمد بهرنكي وصادق هدايت. لقد كذبنا عندما قلنا إن حكومة الشاه قد قتلت (الداعية الإسلامي) الدكتور شريعتي. لقد قلنا تلك الأكاذيب، ونحن نعلم أنها أكاذيب».

وعلى الرغم من كل ما قال، فإن ما لم يقله غانجي كان أسوأ.

لم يكن النشطاء المناهضون للشاه يكذبون على الآخرين فقط، وإنما على أنفسهم أيضا. لقد كذبوا على أنفسهم عن طريق إخفاء هويتهم السياسية.

نشرت صحيفة «مردم» (الناس) الناطقة باسم حزب الجماهير الشيوعي افتتاحيات مديح رفعت فيها الخميني إلى عنان السماء. وبشكل مفاجئ، غير الملحدون حليقو الذقون الذين كانوا يرتدون بدلات فرنسية التصميم من مظهرهم، حيث أعفوا لحاهم وارتدوا قمصانا على طريقة الملالي، وملأوا كتاباتهم بجمل من اللغة العربية، بدلا من مقولات جان بول سارتر والشخصيات الأخرى الشهيرة في المقاهي الفارسية.

وفي تلك الأيام، دخلت في بعض المناقشات، أدت في بعض الأحوال إلى إنهاء صداقتي مع الكثير من الأشخاص، وكانت حجتي أن المرء يستطيع أن يناهض أمرين سيئين في آن واحد. فإذا كان الشخص معارضا نظام الشاه، لأي سبب كان، فلا يتوجب عليه دعم النظام القاتل الذي ابتدعه الخميني.

إن قراءة كتب الخميني في تلك الأيام كانت تجعلني أضحك، حيث إنني لم أكن على علم بملحوظة فريدون هويدا، التي إن تم تحويلها إلى تصرفات عملية، فإن الكتب السياسية التي تجعلك تضحك سوف تجعلك تبكي بكل تأكيد.

لقد شجعت أصدقائي الذين يرغبون في معارضة الشاه على القيام بذلك من مواقعهم التي يؤمنون بها. لقد أردت أن يتحول الديمقراطيون إلى معارضين ديمقراطيين للشاه، والشيوعيون إلى معارضين شيوعيين للشاه، وهكذا.

وليس هناك داع للقول إنني، وبعد وقت قصير، حزنت على كل أصدقائي الديمقراطيين والوطنيين والشيوعيين والاشتراكيين والليبراليين الذين ساعدوا في مجيء الخميني إلى السلطة، والذين تم إعدامهم أو سجنهم، أو أجبروا على بؤس المنفى من قبل الملالي.

تخيلوا لو احتفظت إيران بتنوعها السياسي الثري الذي طورته على مدار 150 عاما، وتجلى هذا التنوع لفترة وجيزة في السبعينات قبل أن يفرض الخميني توحيد كل تلك الآيديولوجيات تحت اسم «ولاية الفقيه».

يمكنك تخيل شعور الاكتئاب الذي أشعر به في المنفى القسري الذي أعيش فيه، والألم الذي أحس به كل يوم.

وقد زادت احتمالية تكرار بعض البلدان الإسلامية لخطأ إيران المأساوي من شعور الاكتئاب الذي أحس به. زادت هذه المخاوف في تسعينات القرن الماضي عندما اعتقد كثيرون أن الجزائر تسير «على الدرب الإيراني».

وفي المراحل الأولى من الأزمة الجزائرية، تصرفت الكثير من الشخصيات وحزب أو حزبان سياسيان بصورة شبيهة، بطريقة ما أو بأخرى، بنظرائهم الإيرانيين في السبعينات عندما ارتدوا القناع الإسلامي.

وعلى الرغم من ذلك، فإن الجزائريين أدركوا بعد وقت قصير أن محاربة نظام سيئ عن طريق دعم آيديولوجية فاشية كانت بمثابة انتحار. ولقد استطاع معارضو النظام الجزائري المحافظة على هوياتهم المحددة، وهذا، على ما أعتقد، كان العامل الحاسم في إنقاذ الجزائر من أن تصبح «إيران ثانية».

وبالعودة مرة أخرى إلى سوريا، هناك اعتقاد في الدوائر السياسية الغربية، أن المعارضة السورية ليست متحدة، وتلك هي الحقيقة. تتحد المعارضة السورية في الرغبة في رحيل الأسد، أما فيما عدا ذلك، فيجب على الأحزاب السياسية والشخصيات والحركات المنخرطة في هذه الانتفاضة الشعبية أن تحمي هوياتها المختلفة. يجب على الجميع معارضة الأسد كل من موقعه السياسي المختلف. فالاتحاد، لا التوحد، قد يساعد سوريا في الوصول إلى التعددية والتنوع المنشودين، اللذين من دونهما لن تستطيع سوريا بناء مستقبلها بحرية.