كيف حاولت «القاعدة» السيطرة على وسائل الإعلام؟

TT

من بين آخر الصور المعروفة عن زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن كان هذا الفيديو الذي تم العثور عليه في المجمع الذي كان يختبأ به في الليلة التي لقي فيها مصرعه. وقد أظهر هذا الفيديو بن لادن منحنيا أمام شاشة التلفزيون وهو يدرس أحد مقاطع الفيديو التي يظهر فيها هو شخصيا، وهذا دليل على أن زعيم تنظيم القاعدة كان مهووسا بالجانب الإعلامي لحربه ضد الولايات المتحدة.

ويتجلى هذا الجانب الحديث لجهاد بن لادن في الخطاب المكون من 21 صفحة والذي أرسله إليه مستشاره الإعلامي آدم غدن، وهو أميركي المولد وأحد عناصر تنظيم القاعدة. وعلى الرغم من أن هذا الخطاب غير مؤرخ، فإنه يبدو أنه كتب بعد شهر نوفمبر (تشرين الثاني) عام 2010، أي خلال آخر ستة أشهر من حياة بن لادن.

وكتب غدن كثيرا، كما لو كان مخططا إعلاميا يتبادل الرسائل مع عميل له، وقدم مقترحات حول وقت إذاعة مقاطع الفيديو بعد انتخابات التجديد النصفي للكونغرس الأميركي عام 2010 واستخدام مقاطع الفيديو عالية الوضوح، كما قام بكتابة تقييمات لشبكات الإعلام الأميركية الكبرى.

وكما كتبت الأسبوع الماضي، فإن غدن يكره شبكة «فوكس نيوز» (قال عنها «تسقط في الهاوية»)، ويحب شبكة «إم إس إن بي سي»، لكنه اشتكى من فصل كيث أولبرمان من الشبكة، ولديه مشاعر مختلطة بشأن شبكة «سي إن إن» (يقول إن «سي إن إن» العربية أفضل من «سي إن إن» الإنجليزية)، وأدلى بتعليقات فيها بعض الإطراء والتملق لشبكتي «سي بي إس» و«إيه بي سي». وكان يريد أن يستغل جميع هذه الشبكات لتحقيق أقصى استفادة ممكنة لتنظيم القاعدة، كما ذكر أسماء بعض الصحافيين الذين يكتبون في الصحف المطبوعة، ولعل أشهرهم هو روبرت فيسك من صحيفة «ذي إندبندنت» البريطانية، واستشهد بأسماء ثلاثة كتاب أميركيين («بريان روس» و«سيمون هيرش» و«جيري فان ديك»)، على الرغم من أن ما كان يقصده كان غير واضح تماما.

وكان هذا الدليل الإعلامي إحدى الوثائق التي تم الحصول عليها من مخبأ بن لادن في الثاني من شهر مايو (أيار). وقد أتيحت لي الفرصة للاطلاع على هذا الدليل، علاوة على عينة صغيرة من الوثائق الأخرى التي كانت موجودة في المخبأ، عن طريق أحد المسؤولين البارزين في إدارة الرئيس أوباما. وتظهر تلك المذكرة التي كتبها غدن أن تنظيم القاعدة كان يقاتل من أجل البقاء في الساحة الإعلامية، على الرغم من الهجمات الأميركية المدمرة على هذا التنظيم الذي ظهر أنه يتحلى بقدر من الطموح وتراوده الأحلام على مواصلة الجهاد، لكن هناك أيضا نوعا من النقد الحاد للذات والذي جعل غدن، مثله مثل بن لادن، يدرك أن تنظيم القاعدة قد بدأ يخسر الحرب. وعبر غدن عن قلقه من أن تكون الانتكاسات التي تلقاها التنظيم في العراق وغيره من الأماكن الأخرى ما هي إلا «عقاب من الله لنا على خطايانا وجورنا». وشأنه في ذلك شأن بن لادن، أعرب غدن عن حزنه العميق لأن الجهات التابعة لتنظيم القاعدة قد قتلت العديد من المسلمين، وكتب قائمة بأسماء 13 عملية تظهر «مأساة التسامح مع سفك الدم (المسلم)». ويعد غدن شخصية مثيرة للاهتمام، ولو قام أحد كتاب السيناريو في هوليوود بكتابة فيلم سينمائي عن حياته فسيجد البعض صعوبة كبيرة في تصديق هذه القصة. وقد ولد آدم غدن عام 1978، واسمه الحقيقي آدم بيرلمان، وهو حفيد لطبيب من ولاية كاليفورنيا كان عضوا في مجلس إدارة رابطة مكافحة التشهير باليهودية. واعتنق آدم الإسلام وهو في السابعة عشرة من عمره، وهاجر إلى باكستان وهو في سن العشرين، ثم اختفى في شهر مارس (آذار) 2001 في عالم تنظيم القاعدة. وفي عام 2006، وجهت إليه تهمة الخيانة من قبل الولايات المتحدة. في الخطاب، يركز المستشار الإعلامي على «كيفية استغلال» الذكرى العاشرة لأحداث 11 سبتمبر (أيلول) 2011، ويخشى من أن محطة «سي إن إن»: «يبدو أنها تتعاون مع الحكومة بشكل يفوق غيرها من المحطات الأخرى»، على الرغم من ثنائه على تغطيتها العربية «المتميزة والمفصلة». ويواصل قائلا «اعتدت الاعتقاد أن محطة (إم إس إن بي سي) ربما تكون جيدة ومحايدة نوعا ما»، ثم يشير إلى إقالة أولبرمان.

يواصل المستشار الإعلامي قائلا «إن محطة (سي بي إس) تبث برنامجا شهيرا (هو 60 دقيقة) الذي يحظى بقدر من الشعبية وبسمعة طيبة. وفي واقع الأمر، يمكن اعتبار محطة (إيه بي سي) واحدة من أفضل المحطات»، بفضل كبير محققيها وخبيرها في شؤون الإرهاب، بريان روس. لكنه يشكو من أن كل الشبكات سوف تأتي بمحللين ممن سيقومون بدورهم «بتشويه سمعة» شخصيات من تنظيم القاعدة.

يناقش غدن كيفية التلاعب في التغطية. من الممكن أن يقدم بن لادن «سبقا صحافيا حصريا» لإحدى الشبكات؛ لكن من الأفضل توزيع المادة «لإفساح المجال للمنافسة الإيجابية». أما عن صحافيي الصحف المطبوعة، فإنه يقترح إخطار عدد يتراوح ما بين 30 و50 منهم بأنهم قد وقع عليهم الاختيار من أجل «تلقي مواد إعلامية خاصة» عن ذكرى 9/11. ويشير إلى أنه في حالة استجابة ثلثهم، سوف يصبح لدى تنظيم القاعدة 10 صحافيين ممن «سيتباهون بالمهمة الموكلة إليهم».

وأكد غدن أن الفترة التالية للانتخابات الأميركية في شهر نوفمبر 2010 «مناسبة تماما» للكشف عن مقطع فيديو جديد. وقال غدن «يتركز الحديث السياسي في الولايات المتحدة على الاقتصاد، متناسيا أو متجاهلا الحرب ودورها في إضعاف الاقتصاد». وأضاف أن بن لادن يجب ألا يشعر بالقلق بعد أن أصبح مكشوفا بدرجة كبيرة، لأنه يمكن أن يصل إلى «ملايين المعجبين» في العالم الإسلامي و«يرفع معنويات» مقاتلي تنظيم القاعدة «الذين يواجهون الكارثة تلو الأخرى». ولم يكن مسؤول العلاقات العامة بتنظيم القاعدة يحب شبكة «فوكس نيوز» (قال عنها «دعها تمت بغيظها»)، لكن من الصعوبة بمكان أن نعرف السبب وراء ذلك. ومن المؤكد أن الشبكة الإعلامية التابعة لإمبراطور الإعلام روبيرت ميردوخ قد قامت بالكثير للترويج لـ«بن لادن»، وربما أكثر من أي وسيلة إعلامية أخرى، من خلال تغطيتها الكبيرة للحرب على الإرهاب.

* خدمة «واشنطن بوس»