المستشارات الناصحات الأمينات

TT

يستغرب الناس كيف لرئيس دولة شرس مثل بشار الأسد الذي يتربع على نظام سياسي عتيد، وأجهزة أمنية واستخباراتية قمعية، أن يلجأ للجنس الناعم كمصدر للنصح والاستشارة، كما أظهرت صحيفة «الغارديان» ونقلته قناة «العربية» عبر مسلسل كشف رسائل بريده الإلكتروني.

عادة ما كانت تمثل النساء في حياة السياسيين مصدر خطر، إما لأنهن يشغلن في حياة السياسي موقعا لا يمت للسياسة بصلة، وتحديدا في الوجه الآخر منه، حيث الحياة الشخصية التي تمثل نقطة الضعف في سيرة المسؤول، أو أن يستخدمن في جلب المعلومات والتجسس كالدمى الجميلة الملونة التي تدار بالريموت كنترول.

في حالة مستشارات بشار الأسد مثل هديل العلي ولونا الشبل وشهرزاد الجعفري الوضع مختلف، لأنهن يعملن داخل دائرته السياسية، ولهن مواقف معلنة، ويحملن مفهومه وأهدافه ومطوعات لخدمته، وهن لسن كبثينة شعبان المستشارة الكبيرة في العمر والتجربة، بل شابات يافعات، خريجات تعليم أجنبي، ويحظين بديناميكية عالية وشبكة علاقات عامة واسعة، وثقة كبيرة من الرئيس وحلفائه في الخارج.

استعانة بشار الأسد بهؤلاء عمل ذكي، لأنه اعتمد على جنود يشابهون جنود أعدائه شباب المعارضة من حيث المفاهيم والأفكار والتطلعات. حين تلفت بشار الأسد يمينا فلم يجد سوى رامي مخلوف وآصف شوكت، وحينما تطلع يسارا رأى وليد المعلم وفاروق الشرع، الحرس القديم المفلس الذي لا يزال يؤمن بقطع الأصابع التي تكتب، واستئصال الحناجر التي تتكلم، وتهريب المعلومات في أشرطة الفيديو، انتهت هذه القصص، وانتهى ذاك الزمان، أعداء بشار الأسد اليوم استخدموا الإعلام الإلكتروني بأسماء مجهولة لفضح شروره وأفعاله الدنيئة ضد السوريين أمام العالم، ولم يستطع حرس والده أن يمنعوا هذا المد المعلوماتي من الانتشار على الرغم من كل ممارسات القمع والترويع.

كان على الأسد أن يتعامل مع أعدائه المعارضين من شباب «فيس بوك» و«تويتر» بنفس مفهومهم، وتحريض شباب أمثالهم ليقفوا معه ويستخدموا نفس الأدوات الحديثة في نقل المعلومات والتواصل السريع. وترك تنفيذ عمليات اقتحام القرى والضرب بالصواريخ واستخدام السلاح الأبيض والأسود للحيوانات البشرية التي لا تفهم سوى هذه اللغة مثل ماهر الأسد.

ولكن هل يعني هذا أن مستشاري الأسد تحولوا من الرجال العتاة المتمرسين في العمل السياسي والأمني إلى نساء صغيرات جميلات متمسكات بشخصه أكثر من تمسكهن بشخص النظام؟

هذا مستبعد وإلا لدل على كارثة داخلية كبيرة في قلب النظام. لا تزال إدارة بشار الأسد هي نفسها إدارة مذبحة حماه في الثمانينات، العقلية ذاتها، حاضرة ومؤثرة، هي فقط وجوه جديدة مختلفة الطرائق أضيفت للإطار العام، أما المضمون فلم يتأثر، والحرس القديم لا يزال موجودا وفاعلا ومسموع الصوت، وكل ما في أمر هؤلاء النسوة أنهن كتيبة جديدة لكتائب الشبيحة، أي شبيحات بأدوات زينة وصوت ناعم وثقافة أجنبية.

أما لماذا كانت النساء هن الأبرز؟ فللنساء طبيعة خاصة في الولاء، لقناعاتهن وتحديدا حين ترتبط هذه القناعة بشخص رجل، فيقدمن البذل بلا حساب، والاجتهاد المفرط، والحماسة غير المعتادة، والاستماتة في الدعاية لتحقيق أهدافه ورفع شارة النصر أمامه في النهاية. وكلما كن أصغر سنا كانت هذه الخصائص أكثر فاعلية، وكلما كن أكثر عددا زادت حدة المنافسة بينهن وارتفعت المحصلة الأخيرة. مع ذلك لا أظن أن هذه المهام موكلة للنساء فقط، على الأرجح هناك شبان في جهات أخرى لم يتم الكشف عنهم حتى الآن، ولن يوفر بشار الأسد أحدا حتى لو استعان بالأطفال لمساعدته كما استعان بهم ليروع المعارضة من خلال قتلهم في صوالين بيوتهم وغرف نومهم.

[email protected]