قيادة أوباما المترددة للوضع في أفغانستان

TT

أوضحت تقارير إعلامية تراجع السيطرة الأميركية على الوضع في أفغانستان ومواجهة القوات الأميركية خطر الهزيمة. وكان التصرف الأهوج الأخير لأحد الجنود الأميركيين بمثابة القشة التي قصمت ظهر البعير بالنسبة للرئيس الأفغاني حميد كرزاي وشعبه والمواطنين الأميركيين الذين أنهكتهم الحرب. وبدأت إدارة أوباما تبحث عن مخرج بأي ثمن. وما عدا ذلك لا يمت للحقيقة بصلة. منذ الإعلان عن زيادة القوات في أفغانستان قبل عامين، نجحت القوات الأميركية في تطهير معاقل المتمردين في المنطقة التي تسيطر عليها طالبان. وزاد عدد القوات الأفغانية واكتسبت خبرة كبيرة وأظهرت قدرًا كبيرًا من الالتزام والانضباط بعد حادثة حرق المصحف الأخيرة. وشاركت القوات الأفغانية مع القوات الأميركية في القيام بنحو 90 في المائة من العمليات العسكرية. وعلى مدى الاثني عشر أسبوعًا الماضية، انخفض عدد الهجمات التي يشّنها العدو بنسبة 25 في المائة مقارنة بالعام الماضي. ولم تغير عمليات القتل المريعة التي يقال إنها ارتكبت على أيدي أميركي المصالح القومية الأميركية المتمثلة في منع طالبان من العودة إلى سدة الحكم وإعادة إنشاء المعاقل الإرهابية والحد من عدم الاستقرار في باكستان. القوى العظمى التي تتخذ قرارات هامة على أساس أفعال مختلة لجندي لن تصبح قوى عظمى. سيكون الأمر مثل دعابة تاريخية. ويعارض مسؤولو الأمن القومي في إدارة أوباما فكرة تخطيطهم لانسحاب متعجل أو فوضوي. وأوضح مسؤولون رفيعو المستوى في اجتماع مع صحافيين مؤخرًا عدم وجود خيارات خاصة بالانسحاب وراء التصريح بخفض القوات. ورفضوا التقارير الإخبارية التي جاءت في صحيفة «نيويورك تايمز» واصفين إياها بأنها عارية عن الصحة. وأكدوا الحاجة إلى بقاء عدد كاف من القوات في أفغانستان بعد تسليم المسؤولية الأمنية عام 2014 من أجل مقاومة العمليات الإرهابية وإقناع حركة طالبان بأن التخلص من أميركا ليس بهذه السهولة. وتتبنى إدارة أوباما مقاربة عسكرية دفاعية تقوم على الثبات والنقل المسؤول للسلطة إلى القيادة الأفغانية. وتتطلب هذه الاستراتيجية زيادة في عدد القوات الأميركية لعرقلة ومقاومة الزخم الذي تحظى به حركة طالبان. وبدأت هذه الزيادة، التي تتضمن تعزيز قوات الأمن الأفغانية والتي فاقت الـ300 ألف وهو توسع لا يمكن له أن يستمر لأسباب مالية، في التراجع. وتهدف هذه الزيادات المتزامنة إلى منح الحكومة الأفغانية وقتًا لبناء قدرات الدولة الأمنية كما ينبغي، في الوقت الذي تسعى فيه لتحقيق المصالحة مع قادة حركة طالبان وإجراء انتخابات رئاسية عام 2014. وليس هذا بالأمر السهل، لكنه ليس ميئوسًا منه أيضًا. ويحق للرئيس أوباما المحاولة بالنظر إلى المخاطر. مع ذلك هناك مشكلة في الجانب الأميركي من المعادلة، فانتهاج هذه السياسة سيتطلب عامين من القتال المكثف من أجل وضع حركة طالبان في موضع دفاع، ويعقب ذلك التزام اقتصادي وسياسي وعسكري أميركي جاد تجاه أفغانستان إلى ما بعد عام 2014. ويعد الدعم الشعبي لهذا المستوى من الانخراط محدودًا وينحسر يومًا بعد يوم، رغم أن معارضة الحرب الأفغانية تبدو حاليًا تعبيرا عن القلق أكثر منها تعبيرا عن الغضب. وسيتطلب الاستمرار في اتباع هذا النهج الذي أوضحه مسؤولو الأمن القومي في إدارة أوباما حملة نشطة مستمرة يقوم بها أوباما ذاته من أجل إقناع الرأي العام. وبحكم موقعي في الحكومة، رأيت مثل هذه الحملات، لكنني لا أرى أوباما ينخرط في أي منها حتى هذه اللحظة.

وكان أوباما يحرص أن يحيط قراراته، حتى العقلانية منها، في كل مرحلة من مراحل حربه في أفغانستان تقريبًا بالتردد. وكانت مراجعته الأولية لسياساته الخاصة بالحرب في أفغانستان مزيجًا من الفوضى غير المتقنة لحلقة مفرغة من الصراع الداخلي ومواد سرية مسربة وعدد من الرسائل المختلطة. وبدا قراره بزيادة القوات الأميركية تنازلا مترددا أكثر منه تعبيرا عن اقتناع قائم على سند قوي. ونادرة هي تصريحاته المعلنة حول الحرب وأهدافها وجاءت أكثرها في معرض جوابه عن أسئلة طرحها صحافيون. وغالبًا ما يقرن أوباما تعبيرات الحسم بلغة صراع داخلي وتردد، وكأنها صادرة عن شخصين. دائمًا ما يبدو البعض في إدارته عازمين على إطلاق بالونات اختبار غير معلنة تفيد باتجاه الإدارة نحو الإسراع بسحب القوات وهي حالة يبدو أوباما راضيًا عنها. ويمثل هذا تناقضًا سوف يجتهد التاريخ في محاولة دراسته وتفسيره. لقد اتخذ أوباما قرارات أهم بشأن أفغانستان، حيث يتحمل عبء القيادة وقت الحرب بكرامة وهو يواسي أسر الراحلين. ولدى أوباما فريق قوي للأمن القومي واستراتيجية عسكرية جادة وعدة نجاحات ملموسة يمكنه تسليط الضوء عليها. مع ذلك يبقى صوته ضعيفًا في ظل احتياج الدولة إلى استعادة قواها. وقيل إن ونستون تشرشل «حشد ألفاظ اللغة الإنجليزية واتجه بها إلى نطاق الحرب»، بينما يحتفظ بها أوباما كاحتياطي أيا كان السبب وراء ذلك. ويثبت أوباما قدرته على التوصل إلى حكم معقول وقابل للتطبيق مع قيادة ضعيفة في الوقت ذاته.

* خدمة «واشنطن بوست»