نظام «حيص بيص»

TT

دخل النظام السوري الآن في دائرة التخبط الذاتي بامتياز، فمع ثبوت الفشل الذريع لخطته الأمنية وعجزه عن قمع الثورة السورية الكبيرة والمستمرة بتواصل لأكثر من عام الآن، عجز النظام عن قمع الثورة بالجيش وعجز عن قمع الثورة بالأمن. وإصرار الشعب والثوار لا يزال متواصلا على الاستمرار حتى النهاية وتحديدا حتى إسقاط نظام بشار الأسد وزمرته. وكذلك ثبت الفشل الذريع للخطاب الإعلامي الرسمي للنظام السوري والذي كان أشبه بحلقات كوميدية رديئة تعتمد على سيناريوهات لمؤلفين بلا خيال كاف، فتحولت قصص وتفسيرات النظام الرسمية لأحداث وحوادث الثورة السورية إلى مواد خصبة للنكتة والطرف والتهكم بامتياز، ولم يجد من يقتنع بقصصه ووجهات نظره سوى مجموعة ضيقة جدا من وسائل الإعلام التابعة للنظام والمحسوبة سياسيا عليه في ثلاث دول على أكثر تقدير. وطبعا لا يمكن إغفال الفشل المهول في الخطاب الدبلوماسي والسياسي للنظام مع كيانات إقليمية ودولية مثل الجامعة العربية ومجلس التعاون الخليجي ومنظمة التعاون الإسلامي والأمم المتحدة ولجنة حقوق الإنسان وغيرها، حتى سلم النظام أمره السياسي كاملا إلى روسيا وباتت هي التي تحدد ما هو الأصلح والأنسب والأهم بالنسبة للنظام ولجيرانه وللثوار والمنطقة. وحاولت روسيا مرارا وتكرارا أن تفلسف وتوضح وتبين وتفسر موقفها المدافع عن النظام السوري وطاغيته الحاكم بشار الأسد، فتارة كان الدفاع الروسي عن نظام الأسد يكون بصيغة المحافظة على النظام الدولي ومنع التدخل في الشؤون الداخلية للدول وسيادتها، وتارة للوقوف أمام أطماع الدول الغربية ومخططاتها، وتارة أخرى للحفاظ على الصداقات القديمة والعلاقات الخاصة لروسيا مع الحليف السوري القديم. كل ذلك كان بغض النظر عن مطالب الشعب وشرعية هذه المطالب وسط أعداد القتلى الهائلة والدم السائل الذي يسيل كالأنهار حتى تلفظ وزير خارجية روسيا بحقيقة مخاوف بلاده وسر حمايتها لنظام الأسد على الرغم من كل شيء معروف وأسوأ من هذا النظام الدموي هو أن بلاده تخاف وتخشى وتحذر من سقوط نظام الأسد ووصول نظام سني إلى سدة الحكم، وكأن روسيا تحولت إلى منظر الخطابات الطائفية في العالم الثالث اليوم وتحديدا في العالم العربي منه، وهو يصدر من دولة علمانية وشيوعية سابقا. هذا هو ما يستند إليه اليوم بشار الأسد، وشبيحة الداخل وشبيحة الخارج يقتلون لأجله بلا رحمة ويقاتلون لأجله بلا منطق، وفي الحالتين النتيجة لن تتغير؛ فكل مكونات النظام زالت منها الهيبة والاحترام والمكانة والجدارة والمصداقية والأمانة والشرعية، جميعها اختفى وبسرعة وبلا خط عودة ولا منطق رجوع. إنها السياسة الحمقاء التي اعتمدها نظام الأسد وجعلت كل أفراد الحكم العائلي فيه في دائرة الشك والاتهام لتطال لائحة العقوبات زوجة الرئيس وأم الرئيس وغيرهما من العناصر المشكوك فيها. إنه نظام (حيص بيص) جاء بلا شرعية ولا مصداقية وهو الآن يتجرد منهما قطعة قطعة في مشهد «ستربتيز» سياسي ساخر لن ينساه التاريخ وسيكون عبرة بليغة لمن يأتي بعده. الثورة لن تسكت ولن يعود الثوار دون إسقاط النظام الذي أذلهم وأرعبهم لعقود من الزمن وبيان مجلس الأمن الأخير هو اتفاق دولي أولي للخلاص من النظام.

[email protected]