هل ينجح شباب مصر في حل حزب «الإخوان»؟

TT

قامت مجموعة من الشباب الأوائل في الدعوة لثورة 25 يناير 2011، والمعروفة باسم اتحاد المحامين، بقيادة المحامي الشاب شادي طلعت، باتخاذ الإجراءات القانونية ورفع دعوى أمام القضاء لحل حزب الإخوان المسلمين، الذي يحمل لافتة «الحرية والعدالة» كعلامة تجارية. أثبتت ممارسات حزب الحرية والعدالة في انتخابات مجلسي الشورى والشعب الأخيرين، أنه حزب ديني عقيدة وممارسة، مما يجعله مخالفا للقوانين الحاكمة للبلاد ومخالفا للمادة الرابعة من الإعلان الدستوري الحاكم لمصر الآن، الذي يجرم الأحزاب الدينية والعسكرية والجهوية. وهذا هو الأساس القانوني الذي تستند إليه الدعوى، فهل ينجح الشباب في حل حزب «الإخوان» بالقانون؟ وهل ستجد هذه الدعوى الزخم الشعبي الداعم لتحويلها من معركة قانونية في المحاكم وعند النائب العام إلى حركة شعبية تجبر المجلس العسكري الحاكم في مصر على التراجع في قراراته التي أضفت على حزب «الإخوان» الشرعية، ومكنته من الإمساك بزمام البرلمان. الإجابة ليست ببسيطة. فكما استهزأ البعض منذ عام بدعوة الشباب على «فيس بوك»، التي أرادت أن تحوّل عيد الشرطة في 25 يناير (كانون الثاني) إلى يوم غضب ضد الشرطة وضد النظام وأشعلت شرارة الثورة، يبدو أن بعض المصريين اليوم يتعاملون مع دعوى المحامين الشباب بالاستهزاء نفسه.

أهمل نظام مبارك مطالب الشباب، واعتبرهم «شوية عيال» حتى نجح العيال بوضعه في القفص؟ فهل التعامل اليوم مع مطلب المحامين بالطريقة نفسها قد يوصل حزب «الإخوان» إلى المصير نفسه الذي وصل إليه مبارك؟

طالب شباب المحامين النائب العام المصري بالتحقيق في وقائع محددة، مثل علاقة حزب الحرية العدالة بجماعة الإخوان المسلمين من خلال تصريحات أعضاء الجماعة وممارساتهم على الأرض، التي تقول إن حزب الحرية والعدالة حزب أسسه «الإخوان» أثناء انتخاب مجلسي الشعب والشورى. كما طالب المحامون الشباب النائب العام بالتحقيق في علاقة «الإخوان» بالتنظيمات الأجنبية، بما يخالف المادة 4 من قانون رقم 12 الخاص بتنظيم الأحزاب، وكذلك طالب الشباب النائب العام، حسب بيانهم المنشور، بالتحقيق مع خيرت الشاطر، نائب مرشد الجماعة، وأسباب أسفاره إلى قطر ولقاءاته بقادة حركة حماس هناك. كذلك طالبوا بالتحقيق مع المرشد السابق لـ«الإخوان»، مهدي عاكف، وسبب سفره إلى قطر بتاريخ 26 ديسمبر (كانون الأول) 2011. وكذلك التحقيق مع المرشد الحالي ونائبه فيما يخص تصريحات السيناتور الأميركي، جون كيري، عن دور «الإخوان»، وشكره لهم لتدخلهم المباشر للإفراج عن المتهمين الأجانب في قضية التمويل الأجنبي. هناك الكثير من الاتهامات التي يطرحها شباب المحامين، فهل ستجد هذه الاتهامات آذانا مصغية من النائب العام وتدور المعركة في أروقة القضاء، أم أن القضاء سيهملها لمصلحة «الإخوان»، وبذلك تنتقل المعركة من ميدان المحكمة إلى ميدان التحرير؟

القضية من وجهة نظري ليست في قدرة الشباب على حل حزب قوي يخص أكبر تنظيم متماسك في مصر، وهو تنظيم الإخوان المسلمين، تنظيم له أمواله وأسلحته وقدراته على التهديد والوعيد، مما يجعل الفرد منا يتردد كثيرا في الكتابة عنه، إلا أن شباب الثورة دائما قادر على إنتاج الدهشة، ففي جو ساده الإحباط، وربما القبول التام بسيطرة «الإخوان» وحليفهم من الدرجة الثانية العسكري والسلفي، قرر هؤلاء الشباب أن يأخذوا الأمر إلى ساحة القضاء، فهل هذا مجرد تكتيك لجر «الإخوان» إلى «الغلط» (كما يقولون)، ليخسروا بذلك قاعدتهم في الشارع؟

لم يكن الكثيرون يتصورون أن شبابا صغارا قادرون على الإطاحة بنظام مبارك الضاربة جذوره في كل المجتمع، نظام ورط الجميع في الفساد ومخالفة القانون، مما جعل الكل يسكت عن الفساد لأنه أصبح جزءا منه.

تكتيكات الشباب في مصر تبدأ صغيرة ثم تتحول إلى شيء أكبر، فمثلا استطاع الشباب تحوير الشعارات وقلب المعاني فيها، فمن شعار «المجلس العسكري حمى الثورة» تحول الشعار إلى «المجلس العسكري حمى الثورة المضادة»، أي أنه ضد الثورة، ومن شعار «الجيش والشعب إيد واحدة» إلى «الشرطة والجيش إيد واحدة» في رمزية إلى اليد الباطشة، وشعار «الانتهازية هي الحل» في تحوير لشعار «الإخوان».. «الإسلام هو الحل».

لا يتجرأ الكثيرون في مصر على انتقاد «الإخوان»، حتى من يدعون الليبرالية من الكتاب، أصبحوا مدجنين بعد أن منحهم «الإخوان» مقعدا في مجلس الشعب، فغدوا يخشون غضب «الإخوان» كما كانوا يخشون غضب مبارك، ولكن هذا الشباب ليس لديه ما يخاف منه فهو مستمر في ثورته، ويبدو أن موجة الثورة الثانية لن تكون ضد المجلس العسكري، بل ضد مكتب الإرشاد.

الإجراء القانوني الذي اتخذه الشباب لحل حزب الجماعة المعروف تجاريا بـ«الحرية والعدالة»، هو بداية سلسلة على ما يبدو مدروسة من شباب يعرف طريقه ولا يحتاج إلى نصائح من المسنين، ممن يبحثون عن دور في النظام الجديد بقيادة مثلث «الإخوان» والسلفيين والعسكر، الذي يبتغي إعادة إنتاج نظام مبارك، ولكن بلحية طويلة هذه المرة. من الواضح أن الشباب لن يسمح بذلك، ربما ليست لديهم الأموال المتدفقة من قطر إلى الجماعات الدينية المختلفة، ولكن الديموغرافيا تقول إن العدد الأكبر في مصر هو عدد من هم دون الثلاثين من العمر، ومنهم سوف يتشكل مستقبل مصر، و«الإخوان» بين الشباب ليسوا أغلبية كما يتصور البعض.

مواجهة شباب المحامين مع «الإخوان» هي مقدمة لمواجهات مجموعات أخرى، مواجهة فيها كسر لحاجز الخوف الذي أحاط «الإخوان» به أنفسهم على أساس أنهم حماة الدين. لقد نجح الشباب في كسر حاجز الخوف في المجال السياسي عندما كسروا هيبة مبارك، ولا أستبعد أنهم قادرون على كسر هيبة المرشد، ولكن لو نجح الشباب في كسر حاجز الخوف في المجال الديني، كما نجحوا في كسره في المجال السياسي، فإن «السد العالي» قد ينهار وتجتاح مصر مياه سياسية جديدة تفتح عروق الوطن، فما زال «الإخوان» هم «كولسترول» الجسد السياسي المصري، يعيقون حركة التحول ربما بالقدر نفسه الذي كان يعيق فيه نظام مبارك عملية التغيير التاريخية التي تجعل شباب مصر جزءا من شباب العالم. «الإخوان» ليسوا الحل من وجهة نظر الشباب، «الإخوان» هم المشكلة. ومن الواضح أن شعار الشباب الجديد القائل إن «الإسلام هو الحل، بس الإخوان هم المشكلة»، سوف يجد رواجا وزخما في الشارع المصري. فهل سيفاجئنا شباب مصر اليوم، كما فاجأونا يوم 25 يناير العام الماضي؟ ظني أن الشباب المصري قادر.