مرشحو الرئاسة

TT

يضحك المصريون (هبتهم الثانية بعد النيل) من أعداد «المرشحين» للرئاسة. أكثر من ألف رجل وامرأة تتراوح سيرهم الذاتية بين المصري الأقرب إلى مواصفات الرئيس وبين اللص السابق الذي أعلن توبته. وقد استاء كثيرون، في مصر وخارجها، من «مهزلة الترشح». والحقيقة أن علينا أن نحدد أيهما المهزلة: أن يجد 500 شخص أن لهم الحق في دخول المنافسة وطلب التأييد من الناس، أم ألا يكون الحق لأحد في الترشح سوى لرجل واحد، هو المرشح، وهو الفائز، مرة، مرتين، وإلى أبد المرات؟

واحدة مضحكة وواحدة مبكية وكلتاهما ضحك كالبكاء. أدخل أيمن زورا السجن لأنه تجرأ على طرح اسمه مرشحا. في النظام الرئاسي العربي هذا كفر محظور. الشاطر ياسر عرفات لم يسمح فقط لمنافس يخوض المعركة، بل كان المنافس امرأة لم يحفظ أحد اسمها. ولذلك أعطى انطباعا بأن فلسطين أيضا دولة ديمقراطية مع أن جميع خيوطها كانت في بنصر يده اليسرى.

لا يسمح النظام العربي الرئاسي حتى بالتخيل أو بالأمل. ولذلك لا تؤخذ الرئاسة، إلا غلابا، تماما مثل الدنيا. ففي مصر كانت العادة من القصر إلى آخر العمر، وتطورت الآن إلى السرير. وفي تونس حرم بن علي بورقيبة من «مدى الحياة» وخطف المدى لنفسه لولا بائع عربة الثمار. وفي اليمن تنازل علي عبد الله صالح بعد ثلاثة عقود إلى صالح عبد الله علي. وفي سوريا عدل الدستور من الأبد إلى 28 عاما قابلة للتأبيد. وفي العراق لم يعد من الضروري أن يمدد الرئيس الضرورة، فصار رئيس الوزراء يمدد عنه وعن نفسه عملا بالتوصيات الديمقراطية التي تركتها أميركا قبل انسحاب المارينز. راجت نكتة مع استقلال الكونغو أنه عندما قيل «الاستقلال قادم»، ذهبت مجموعة كبرى من الناس إلى المطار لاستقباله. الديمقراطية آتية إلى العالم العربي وأول طلائعها في تونس المطالبة بجارية لكل زوج إلى جانب زوجته، لطوارئ التكدر أو دورات الطبيعة. وفي مصر هب أكثر من ألف مرشح للرئاسة، يعوضون عن حرمان 60 عاما من الترشح حتى لرئاسة بلدية في قرى الصعيد.

الديمقراطية مسار طويل وصعب ومعقد. الديمقراطية الأميركية لم تعط الحقوق المدنية لمواطنيها السود إلا بعد قرنين على قيامها. وهي نفسها أوصلت جورج بوش إلى الرئاسة بفارق بضعة أصوات غير مؤكدة، فكاد يوصلها إلى الهلاك، لولا أن النظام الديمقراطي نفسه يضع حدا للولاية، ولا يسمح بتمديدها أو تجديدها أو تأبيدها. كما لا يسمح بألا يكون للرئيس نائب يخلفه لحظة موته، كما حصل عندما أقسم ليندون جونسون اليمين على الطائرة التي تحمل جثمان جون كيندي. أو عندما أصبح حسني مبارك خلفا للسادات. لكن مبارك ظن أنه من الأفضل للرئاسة أن تبقى من دون شريك ولو نظريا. ولو دامت لغيرك لما وصلت إليك.