من عمر بن عبد العزيز إلى بشار

TT

كتب الجراح بن عبد الله، والي خراسان، إلى خامس الراشدين عمر بن عبد العزيز: «سلام عليك، أما بعد، فإن أهل خراسان قد ساءت رعيتهم، وإنه لا يصلحهم إلا السوط والسيف، فإن رأى أمير المؤمنين أن يأذن لي في ذلك فعلت». فرد عليه عمر: «أما بعد فقد بلغني كتابك، تذكر فيه أن أهل خراسان قد ساءت رعيتهم، وأنه لا يصلحهم إلا السيف والسوط، وتسألني أن آذن لك! فقد كذبت، بل يصلحهم العدل والحق». «كذبت» قالها عمر لمن يرى، مجرد رأي، أن السيف والسوط كفيلان بحل مشكلة رعية ساءت طباعهم، ماذا عسى عمر أن يكتب لبشار وقد أعمل دباباته ومجنزراته وجيشه ومخابراته وجلاوزته وشبيحته قتلا وتعذيبا واغتصابا وترويعا؟

ليس هناك عمر فيردع المستبد المجرم عن جريمته بمجرد توبيخه بكلمة «كذبت»، لأن نظام بشار مؤسس على التكذيب والدجل وتزوير الحقائق: تصريحاته كذب، ومجلس شعبه كذب، وتفسيراته لمعاناة شعبه كذب، ولا يرى مطالبة شعبه بالحرية إلا كذبا، ولأنه يكذب ويكذب حتى يصدق كذبه، فها هي الثورة تكمل عاما كاملا دون أن يصدق أنه ونظامه ساقطان لا محالة، وأن الجدل يتمحور فقط حول «متى»؟ كذب بشار فصدقه بشار، المشكلة أنه لا يدرك، ولا يريد أن يدرك، أنه يعمل ضد مصلحته الشخصية وعائلته وحلقته المقربة منه.

أتمنى أن يكف بشار هو وزوجته عن الانشغال - ولو بضع دقائق - عن «التوافه» التي كشفتها المراسلات المسربة ليطلع على شجاعة شعبه النادرة، تلك الشجاعة التي تحولت من مواجهة بطشه وديكتاتوريته وشبيحته بصدور عارية، إلى الرقص والتغني بأهازيج الموت، وكأنهم متجهون إلى «فرح» وليس موتا أو اعتقالات لا يعلم مدى بشاعة ما يجري فيها إلا الله. الشعوب العربية لم تعد تتحمل فظاعة ما تنقله كاميرات الجوال، وهي لا تمثل إلا سناما لجمل كبير. والشعب السوري الشجاع تلبسه إيمان راسخ ويقين صادق لدرجة أنه صار لا يأبه لهذه المناظر الموجعة المفجعة، شعب أبي صار لا يرى هذا النظام الشرس المتغطرس إلا قلة مرتزقة محتقرة من قطاع الطرق الثملين (وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذِ الْتَقَيْتُمْ فِي أَعْيُنِكُمْ قَلِيلًا وَيُقَلِّلُكُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا).

وأعجب من هذا أن الشعب السوري لم يعد يكترث للمواقف الدولية المتخاذلة، ولا الوعود الجوفاء من القريب والبعيد، باختصار ما يتخلق في أرض الشام خارج عن حسابات البشر الطبيعية ليقضي الله أمرا كان مفعولا.

بشار الأسد وسيف الإسلام القذافي نموذجان بشعان في اليأس من الأجيال الجديدة من أبناء الطغاة الدمويين المستبدين، هما اللذان أسقطا نظرية أن الحاكم الذي وصل إلى الحكم ممتطيا ظهر دبابة طبيعي أن يحكم شعبه منطلقا من خلفيته العسكرية وتربيته القاسية، بشار قال الناس عنه إنه طبيب متحضر وديع، ويستحيل أن يكون مثل أبيه، وسيف القذافي تخرج من مؤسسات بريطانيا الأكاديمية، كلاهما تعايشا مع الديمقراطية الغربية، ورجعا لبلادهما وكأن شيئا لم يكن، وقد فهم هذا المنطق نوح عليه السلام فأدرجه في دعائه على طغاة زمنه (رَبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا (26) إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلَا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِرًا كَفَّارًا).

[email protected]