قاتل الله الحاجة!

TT

«الحاجة» كلمة صغيرة لكن لها أبعاد أخطبوطية تمتد في كل الاتجاهات. ولم لا؟! فالحاجة أم الاختراع. والحاجة هي الشيء وهي الغذاء وهي الفلوس. ومن في حاجة إلى الحاجة فهو المحتاج الجدير بالصدقات. وتثنيها فتصبح البول والغائط. وتشتقها إلى حجة فتكون السنة. وتسبقها بذي فتصبح شهرا من الأشهر القمرية وتضم حاؤها فتصبح الدليل والبرهان وتلصقها برجل فيصبح عالما علامة. وتصغرها فتصبح حجيجة أي الدليل الواهي. وتكسرها فتصبح وثيقة الملكية. وتفتحها فتنتقل وتغدو شحمة في أذنك. وقاضي الحاجات من أئمة العراق. ولكن قاضي الحاجتين شيء آخر. فمن يقضي حاجته هو من يتبول أو يسلح. وهما حاجتان الأولى هي الحاجة الصغيرة والثانية هي الحاجة الكبيرة.

والعجيب في هذا الفعل هو الاعتراف الصريح بأهمية هاتين العمليتين. سمتهما العرب بالحاجتين لأن بإمكان الإنسان أن يصوم عن الأكل والشرب لعدة أيام ولكنه لن يستطيع البقاء حيا لأكثر من ساعات معدودة من دون أن يريق المائية أو يفرغ أمعاءه. أي انسداد فيهما يسبب تسمما عاما يقضي على الحياة. ومع ذلك فعجيب الأمر أننا جميعا نتنكر لهاتين العمليتين الأساسيتين. لا نجرؤ على القيام بأي منهما إلا في خلوة صحيحة. بل ولا نجرؤ حتى على التعبير عنهما فنستعمل كلمات مجازية شاعرية للإشارة إليهما تختلف من بلد إلى بلد. ولهذا فكثيرا ما وقع فيها المغترب العربي عندما يجد نفسه ضيفا وتلزمه الحاجة لقضاء الحاجة. وهو ما وقع فيه زميل حضر حفلا مع زوجته التي احتاجت لقضاء الحاجة فلم تجرؤ على سؤال المضيف فسألت زوجها الذي تولى هو المسؤولية بالنيابة عنها فسأل صاحب البيت «فين الجنتلمن بتاع الليديز؟»!

لا أدري لماذا يشعر الإنسان بالحرج حيال هذا الموضوع الأساسي في حياة الإنسان. فأنا واثق أن كثيرا من القراء سيمتعضون ويتقززون من دخولي في هذا الموضوع.. أووووف! والكتابة عنه!

وهكذا تترتب عليه الكثير من المقالب المحرجة والمضحكة. كان منها ما حصل للصحافي والمفكر البريطاني كنغسلي مارتن عندما كان رئيس تحرير مجلة «النيوستيتسمان». دعي إلى بيت الليدي بياتريس ويب. وبعد تناول الطعام والشراب شعر بالحاجة لقضاء الحاجة، وهو ما يحدث غالبا للإنسان بعد أكل شتى الحاجات. فسأل سيدة البيت الليدي بياتريس عن المرحاض، وهو ما يسميه بعض العامة تأدبا في العراق بقدم قاع. فنظرت إليه بعجب واستنكار.. كيف يعني رئيس تحرير مجلة محترمة يتبول ويتغوط؟! فلم تجبه وانصرفت لمحادثة الآخرين.

واشتدت الحاجة بكنغسلي مارتن فقصد هارولد لاسكي، عميد كلية لندن للاقتصاد. فقال له «سؤالك هذا يعتبر عملا من أعمال الشجاعة الخارقة لم يجرؤ عليه أي أحد ممن زاروا هذا البيت. في الأسبوع الماضي، جاء لتناول الغداء هنا المستر رمزي ماكدونالد، رئيس حزب العمال البريطاني. واحتجنا لقضاء الحاجة فذهبت أنا وهو للتسلل وراء الكوخ الخشبي في آخر الحديقة وأرقنا البول هناك».

رئيس حكومة الإمبراطورية التي لا تغيب الشمس عن أراضيها ضاقت به الأرض لقضاء أصغر الحاجتين!