عالم يبحث عن حقيبة

TT

تحرض بغداد على القمة العربية من أجل أن تعرض حكومة نوري المالكي على الأشقاء العرب صورة جلية عن «حكم دولة القانون» شعارها الأثير. ولكن ليس بالإمكان أكثر مما كان؛ فالعرب بالهم ليس في القمة؛ حيث كل شيء على ما يرام وما يُبتغى، لولا «بضع عصابات مسلحة» تعكر صفو الخاطر في سوريا، لكن قلوبهم على نشرات الأخبار؛ حيث تنذر الإحصاءات اليومية بأنه قد لا يبقى أحد في سوريا والعراق يخبر عما آلت إليه تجربة نصف القرن الماضي في البلدين. ولا حاجة إلى التأكيد مرة أخرى على استكمال المصطلح (الشقيقين).

فلم يعرف العالم أخوة كالإخاء العربي، ولم يعرف الإخاء العربي أخوة كالإخاء العراقي – السوري بين التوأمين البعثيين. وبغداد تريد أن تطمئن الإخوة العرب في كل مكان إلى أن ليلى ليست في العراق مريضة. أفظع وأحزن مشاهد الأمة أن بعض الهاربين من العراق إلى سوريا يعودون الآن إلى ديار ليلى. لا خيار آخر. وصورة الناس وحقائبهم (بالمعنى المجازي؛ لأنهم لا يملكون حقائب) تنشر في سوريا كانتشار صور الناس وأكفانهم، وصور الناس وعويلهم، وصور الناس ومخيماتهم في بلدان الجوار.

وفي لبنان ينظر بعض السياسيين إلى مشاهد حمص وحماة ومخيمات تركيا وملاجئ لبنان والأردن، ويقولون إن النظام قد انتصر. وبعض الصحافيين «يحلل» المعطيات ويكشف في نهايتها عن أن «النظام انتصر على العالم أجمع»، وأن مهمة أنان وانصياعات مجلس الأمن ليست سوى الدليل على ذلك.

ويحضرني مشهد انتصار قوات الكتائب في منطقة النبعة خلال حرب لبنان والاحتفالات التي أقيمت، بعضها كتب أن بعض الانتصارات أبشع من الهزيمة، فكيف ينتصر الحكم الذي يدك مدنه بالدبابات كل يوم؟ وهل من انتصار بين الحكم والشعب سوى المصالحة؟ وأي انتصار هو الذي يحققه شيء يسمى «الشبيحة»؟

يدعى الحكام العرب إلى بغداد على أصوات انفجاراتها التي لا تتوقف. كانت الذريعة الاحتلال الأميركي، والآن لا نعرف أي احتلال هو السبب. وربما من الحكمة التأجيل قليلا، ريثما تكون مصر قد عثرت على رئيس، وتونس قد انتخبت رئيسا دائما، وسوريا قد عادت إلى الجامعة، وفلسطين قد عقدت صلحا خارج الحبر والورق، وليبيا قد هدأت، والبحرين قد اطمأنت، والسودان قد اقتنع بأن البشير لا يريد حقا التجديد مرة أخرى، على الرغم من نداءات الجماهير.

الدنيا قائمة في بريطانيا؛ لأن الموازنة تؤثر في معاشات المتقاعدين. ما أحلى هموم الآخرين. نحن والحمد لله أمة لا متقاعدون فيها. بالكاد هناك عمال. بالكاد هناك وظائف. والهاربون يحملون حاجياتهم في أقمشة. لا يملكون ثمن حقائب. لا يملكون سوى ثروة الصبر. وهذه أيضا استنفدها الحكام.