التانغو الأخير في مصر

TT

هل يتكرر سيناريو 1954؟ قفز هذا السؤال بقوة إلى المشهد السياسي المصري المليء بالتقلبات والمناورات بين مختلف القوى السياسية منذ ثورة «25 يناير»، بعد التلاسن العلني بين جماعة «الإخوان» وحزبها السياسي، والمجلس الأعلى العسكري الحاكم حاليا. بيان المجلس العسكري الصادر أول من أمس الذي اعتبر ردا مباشرا على انتقادات حزب «الإخوان» لمح إلى ذلك في فقرته التي طالب فيها الجميع بـ«أن يعوا دروس التاريخ لتجنب أخطاء ماض لا نريد له أن يعود والنظر إلى المستقبل بروح التعاون والتآزر».

«الإخوان» من جانبهم لم يغب عن ذهنهم أبدا هذا السيناريو في علاقاتهم بالمؤسسة العسكرية المصرية، فقد عبر عن ذلك مرشد «الإخوان» محمد بديع في بيان يعود تاريخه إلى أكتوبر (تشرين الأول) الماضي بعنوان «القلق المشروع» وأبدى فيه قلقه من تكرار أحداث مماثلة جرت في 1954، معددا أعداء الداخل بمن سماهم «فلول الحزب الوطني البائد، وبقايا النظم البوليسية المنحلة، والمرجفين في أجهزة الإعلام التي لم تتطهر بعد، وغلاة العلمانية، وأصحاب المشروع الغربي».

قلق «الإخوان» مفهوم ويفسر الكثير من المواقف والأحداث في الشهور الماضية؛ ففي 1954 كان هناك مجلس قيادة ثورة عسكري، وفي 2011 و2012 مجلس عسكري أيضا حاكم ومن دونه كان من الصعب أن تنجح «25 يناير» في تغيير النظام. وهم كانوا في بداية 1954 وبعد أقل من عامين من ثورة «23 يوليو» يعدون أنفسهم للحكم بعد أن أضعفوا بقية القوى السياسية الأخرى، وهم أيضا الآن يستعدون للحكم بعدما حصلوا على الأغلبية في مجلسي الشعب والشورى وفي اللجنة التأسيسية التي ستضع الدستور، بينما ظلوا في المقعد الخلفي خلال الصدامات بين بقية القوى السياسية والمجلس العسكري، مستفيدين من إضعافه سياسيا، في حين أن القوى الأخرى لا تملك أو لم تستطع أن تقيم ماكينة سياسية حقيقية تترجم نفسها في أصوات ناخبين؛ سواء نتيجة انقساماتها أو قلة خبرتها السياسية. في 1954 جاءت قرارات مجلس قيادة الثورة وقتها بإقالة محمد نجيب أول رئيس للجمهورية وحل جماعة «الإخوان»، ثم اضطر المجلس الذي كان يقوده عبد الناصر إلى التراجع بعد خروج مظاهرات عارمة، وإعادة نجيب، والسماح بقيام أحزاب، ليجري بعدها بأيام التراجع جزئيا عن بعض هذه القرارات بعد اجتماعات لمختلف أسلحة الجيش حذرت من نهاية الثورة والفوضى.. وينتهي العام بخروج نجيب من المشهد نهائيا وملاحقة «الإخوان» الذين اتهموا في محاولة اغتيال عبد الناصر في حادث المنشية الشهير.

نعم هناك أوجه تشابه بين الفترة الانتقالية من 1952 إلى 1954، والفترة الانتقالية من 2011 إلى 2012، لكن لا ينطبق عليها المقولة المعروفة «ما أشبه الليلة بالبارحة». فالمجتمع المصري وعلاقات القوى السياسية ووعيها فيه تغيرا، والعالم نفسه تغيرت مفاهيمه ودرجة تفاعله مع الأحداث، وبيان المجلس العسكري تحدث «عن أخطاء ماض لا نريد له أن يعود»، بما يعني أن هناك وعيا لدروس التاريخ.

ما نراه حاليا أشبه برقصة التانغو الأخيرة بين «الإخوان» الذين رسخوا أنفسهم قوة سياسية أولى، والمؤسسة العسكرية؛ فيها شد وجذب شديد، بعد أن اقتربت لحظة الحسم بانتخابات الرئاسة التي تلوح بعد شهرين، وكل الشواهد تدل على أنها ستحدث في موعدها، وقد تكون جماعة «الإخوان» تريد الضغط لتحقيق مكاسب للاطمئنان على مستقبلها السياسي قبل انتخابات الرئيس، فالتصعيد الذي جرى ضد حكومة الجنزوري، أيا يكن الخلاف حول أدائها، ليس له مبرر قوي؛ خاصة أن مهمتها ستنتهي خلال شهرين، والمنطق يقول إنه إذا كانت هناك رغبة في حكومة ائتلافية، فالأفضل أن يكون ذلك مع الرئيس الجديد، بدلا من إرباك الوضع وتعطيله بمشاورات وخلافات حول تشكيلة الحكومة الجديدة، وهي مسألة قد تستمر أسابيع. والأرجح أن جماعة «الإخوان» تريد الاطمئنان على أنها إذا لم تقدم مرشحا للرئاسة، فإنها ستحصل على حق تشكيل الحكومة في ما بعد الانتخابات، وأنه لن ينفرد الرئيس الجديد بهذا الحق الذي يمنحه له الدستور حتى الآن.