المرشد والمشير!

TT

ما حجم الانشقاق الحاصل بين المجلس العسكري في مصر وجماعة الإخوان المسلمين وذراعها السياسية المعروفة باسم حزب الحرية والعدالة، بعد إشارات حادة بين الطرفين لفترة غير بسيطة من الزمن تعبر عن إصرار كل طرف على التمسك بمواقفه، ولكن الإشارات كانت تبعث في رسائل مبطنة أحيانا وواضحة أحيانا أخرى، بوجود هزة ظاهرة في الثقة لدرجة خطيرة للغاية حتى انفجر الوضع إعلاميا على أقل تقدير في بيانين من كل طرف، فيهما من التلميح والتصريح والاتهام والتوبيخ ما فيه الكفاية ليتضح أن هناك هوة وكسرا كبيرين في العلاقة بين الطرفين، ولم يعد «ظاهريا» من الممكن إبقاء الأمور على ما كانت عليه من قبل أبدا.

صادف هذا التطور النوعي في العلاقة بين الطرفين الإعلان عن انسحاب المرشح الرئاسي (التوافقي بين الطرفين) المسؤول السابق منصور حسن، الذي أعلن عن انسحابه بشكل مفاجئ جدا لأن الكل كان يتوقع ارتفاع حظوظه في سباق الرئاسة كونه مرشحا يلقى القبول العاطفي عند الناس لأنه لقي معاملة سيئة من الرئيس السابق، حسني مبارك، وفي عودته وكأنها تحقيق لشيء من رد الاعتبار والعدالة، وكذلك لأن الإخوان المسلمين يريدون رد الجميل لمنصور حسن، لأن الرجل وقف موقفا شجاعا ضد قرار الرئيس الراحل أنور السادات في أيامه الأخيرة في الحكم حينما قام باعتقالات شهر سبتمبر (أيلول) الأخيرة قبل شهر من اغتياله في أكتوبر (تشرين الأول) 1981، وذلك في حملة اعتقالات طالت كل التيارات السياسية وركزت على التيار الإخواني بشكل أساسي، وكان منصور حسن معترضا على القرار، وحاول أن يثني السادات عن ذلك.

ولكن اليوم مع اكتشاف الإخوان المسلمين حجم قوتهم في الشارع السياسي المصري انفتحت شهيتهم للسلطة أكثر، وبعد اكتساحهم انتخابات مجلسي الشعب والشورى وعدم قدرتهم على إقالة حكومة الجنزوري المؤقتة لمحوا مرارا عن رغبتهم في ترشيح شخصية مهمة محسوبة عليهم ومنهم لمنصب رئيس الجمهورية، وكان خيرت الشاطر هو الاختيار، وإن كان الرجل مرشحا أكثر لمنصب رئيس الوزراء، وخصوصا بعد أن تمت «تبرئته» قانونيا من قضايا سابقة كانت الأحكام فيها تقف سدا مانعا ومعوقا لطموحه السياسي الكبير، فقرر «الإخوان» تصعيد المواجهة ضد المجلس العسكري الأعلى بشكل جاد، والتشكيك في إدارته لشؤون البلاد بشكل خطير واستغلال قوة الحركة والجماعة في الشارع المصري، ولكن الجيش يظل له هيبته ومكانته وأهميته في الوجدان والضمير والقلب المصري، وبالتالي قد يخوض «الإخوان» معركة خطيرة ليست محمودة العواقب.

المرشد والمشير يتواجهان في استعراض قوى، ظاهره الخلاف والاختلاف، ولكن علوم السياسة المصرية تؤكد أن مساحة التوافق كبيرة جدا بين الطرفين، وقد يكون الغرض من رفع سقف المواجهة الظاهرية هو ترهيب ساحة المنافسين الآخرين على منصب الرئاسة لحسم المعركة الانتخابية مبكرا، حتى ولو صورت المشاهد اليوم في مصر أنها مواجهة تكسير عظم، أو كما سموها ووصفها أحد المعلقين الإعلاميين «أن طبول الحرب تقرع بين الطرفين»، إلا أن السياسة المصرية دوما تؤكد أن الفرعون يحكم حتى ولو انتخبوه.

[email protected]