رياح ما قبل القمة

TT

كانت الترجيحات تميل إلى أنه لا قمة عربية هذا العام نتيجة استمرار المخاض العربي على أكثر من جبهة، ومع هذا ستعقد في موعدها ومكانها بعد احتجاب دام عاما واحدا. القلق هو سيد الموقف خشية الفلتان الأمني، حيث لا تزال جيوب الجماعات الإرهابية التي دحرت في السنتين الأخيرتين نشطة حتى الآن، إضافة إلى أن التشرذم السياسي أعطاها أملا كبيرا باللعب على التناقضات بين القيادات السياسية.

وستسجل بغداد أنها تستضيف أقل القمم حضورا للقادة، وهو أمر مفهوم في تبدلات الخريطة وعدم استقرار الأوضاع، لا توجد قيادات نهائية بعد في مصر واليمن وليبيا، والعراق قال: إنه ملتزم بعدم دعوة الرئيس السوري، والرئيس السوداني المطارد دوليا بسبب الجرائم التي ارتكبتها قواته قد لا يحضر.

كان يؤمل أن تكون القمة في بغداد مناسبة سعيدة لإعلان عودة العراق وتتويج النظام الجديد الذي تعرض للرفض والمقاطعة في السنوات القليلة الماضية، بحجة أنه ابن غير شرعي للاحتلال الأميركي، هذا الأمل يكاد يتبدد بسبب التنازع على السلطة، وعمليات التصفية الصريحة التي تسبق القمة بصورة مثيرة للقلق، ولا نستطيع أن نفهم هذه العقلية في الإقصاء والملاحقة من قبل رئيس الحكومة، وهو الذي فاز بصعوبة، ولم يتمكن من رئاسة الحكومة إلا بدعم وضغوط خارجية هائلة، والآن يجلس على كراسي الوزارات الرئيسية في منظر لا يليق بدولة تقول: إنها ديمقراطية، ورياح ما قبل القمة تمثل أكبر تهديد لروح النظام العراقي الجديد وكينونته منذ إسقاط نظام صدام حسين.

ومهما اتفق أو اختلف القادة العراقيون، فإن الأحداث في المنطقة تكون قد تجاوزتهم، ويبدو نظام العراق اليوم نظاما هشا ومتخلفا، رغم أنه أول من بدأ النظام العربي الجديد دستورا ونظام حكم، وهو الآن مثل عربة ترجع للخلف، وبكل أسف فإن التنازع بين رئيس الوزراء وشركائه في الحكم سيفضي إلى أزمات أكبر وأعمق، وقد يهدد الدولة العراقية والعلاقات بين مكوناتها.

نحن أمام مشهد متناقض بين حرص رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي على عقد القمة في بلاده، وفي نفس الوقت استبق القمة دخوله في عراك مع قيادات عراقية بدأت بصالح المطلك، الذي قرر طرده بسبب مقابلة تلفزيونية، وفتح ملفات ضد طارق الهاشمي، وأخيرا مع مسعود البارزاني. وفي مثل هذا التقاتل، كيف يمكن للقادة العرب أن يسلموا قيادة القمة؟ وكيف لهم أن يبحثوا عن إصلاح ذات البين في الجارة سوريا؟ وكيف يتعلم الحكام العرب الجدد الدرس الأول من القمة العربية في ظل ما يشاهدونه في الساحة العراقية؟

[email protected]