جنون اسمه الفراعنة

TT

لا أذكر عدد المقالات التي كتبتها عن أسطورة «لعنة الفراعنة»، أو عدد البرامج التي ناقشت فيها الأسباب والحوادث التي أدت إلى إيمان ملايين البشر في كل أرجاء العالم بوجود لعنة الفراعنة، والتي تصيب من يكتشف مقابرهم أو ينقل آثارهم من مواضعها.

ودائما ما أوضح للعامة أننا لو أغلقنا حجرة داخلها مومياوات لمدة أربعة آلاف عام وبجوارها قرابين من أطعمة ومشروبات وزيوت؛ فإن الجراثيم غير المرئية سوف تتكاثر وتنمو وتتحور عبر آلاف السنين، فإذا حدث وقام مغامر ما أو مكتشف آثار بالكشف عن هذه المقبرة ودخولها بمجرد فتحها فإنه والعمال الذين يعملون معه سوف يصابون بأمراض غريبة جراء التعرض لهذه الجراثيم. هذا هو ما حدث للمكتشفين الأوائل ولشخصيات معروفة؛ وبدأت من هنا أسطورة لعنة الفراعنة في الانتشار وتفننت الصحافة العالمية في جمع كل الحوادث التي لها علاقة بعلماء الآثار أو العمل بآثار الفراعنة للتأكيد على وجود لعنة الفراعنة، حتى لو كانت مجرد حوادث طرق عادية، خاصة بعد الكشف عن مقبرة الملك توت عنخ آمون في 1922، والوفاة المفاجئة للورد كارنارفون ممول هيوارد كارتر، مكتشف المقبرة.

كنت دائما أقول لصديقي الكاتب الراحل أنيس منصور، والذي وضع كتابا شيقا عن لعنة الفراعنة، وكان من أشد المؤمنين بوجود اللعنة، إنني وعلى مدار أربعين عاما عملت في كل مواقع الآثار الفرعونية تقريبا، وقمت بالكثير من الحفائر وكشفت خلالها عن مئات المقابر والتماثيل والمومياوات ولم يحدث أن أصابتني لعنة الفراعنة، أتذكر هذا الآن وأنا أضحك لأنني وبعد تركي لمنصبي كمسؤول عن الآثار وحملة الهجوم الشرسة التي تعرضت لها ممن يحلمون بالشهرة حتى ولو على حساب الآخرين، أن كتب أنيس منصور، رحمه الله «أخيرا أصابت لعنة الفراعنة زاهي حواس»، ولم أستطع هذه المرة أن أقنعه بعدم وجود لعنة.

ومن قصص اللعنة الأخيرة ما وصلني هذا الأسبوع في خطاب السيدة لورين أرمسترونج، من مدينة نيويورك وداخل الرسالة خطاب مرفق معه تمثال صغير لا يزيد على 5 سم؛ وهو من التماثيل التي نعرفها باسم تماثيل الشوابتي، والتي توضع بالمئات إلى جوار المتوفى لتعمل بدلا منه في العالم الآخر. والتمثال مصنوع من الفيانس وعلى الخلف آثار طمي للتدليل على أثريته، على الرغم من أنه تمثال مقلد وقد اشترته السيدة من مصر وأقنعها البائع أنه تمثال فرعوني أصلي، وبالفعل صدقته لورين وعادت بالتمثال إلى بلادها، حيث بدأت مأساتها، على حد قولها. وبدأت كل حادثة تحدث لها تعيد سببها إلى لعنة التمثال، ومنها طلاقها من زوجها والكوابيس التي تلاحقها في نومها حتى أنها كرهت النوم وأصيبت بانهيار عصبي عولجت منه مؤخرا؛ وكان آخر ما رأت في أحلامها التمثال وهو يطلب منها أن ترسله إلى زاهي حواس لكي أعيده إلى موضعه الأصلي في مصر!! وأنها بعد أن تفعل ذلك لا بد من أن تعود لمصر لتزور آثار الفراعنة.. شكرا للعنة الفراعنة التي أعادت لنا التمثال المزيف وفي انتظار عودة كل آثارنا الحقيقية.