عندما لا يفي المسؤولون بوعودهم

TT

تاهت امرأة في السماء حينما كانت تستقل منطادا حراريا بمفردها للتنقل في رحلة جوية. أسقط في يد المرأة المسكينة بعدما أصرت على التحليق بهذا المنطاد العملاق، من دون مساعدة أحد، رغم أنها لا تجيد أصول التحليق، فحاولت جاهدة السيطرة عليه، فبدأ يهبط بها تدريجيا، ولكن بطريقة عشوائية صعب عليها التحكم به، وبينما هي كذلك، رأت رجلا يحلق على مقربة منها، ففرحت به وصرخت تطلب النجدة: «لو سمحت، أرجوك ساعدني، فمن المفترض أن أقابل إحدى زميلاتي في مكان ما قبل نحو ساعة، ولكنني تهت في هذا المنطاد ولا أعرف كيف أعود»!

نظر الرجل إلى جهاز بحوزته لتحديد المواقع عبر الأقمار الصناعية (GPS) فقال: «أنت تحلقين في منطاد حراري على ارتفاع 30 قدما من الأرض، وموقعك الآن بين 40 و41 درجة شمالا، وبين 59 و60 درجة شرقا». فعلقت المرأة باستغراب: «يبدو أنك مهندس»! أجابها بالإيجاب، وقال «كيف عرفت ذلك؟»، فردت «توقعت، لأن كل ما قلته صحيح من الناحية الفنية، ولكن ما فائدة هذه المعلومات لامرأة مثلي تائهة الآن في هذا المنطاد؟». وأضافت «بصراحة لم تساعدني حتى الآن على الخروج من هذا المأزق، وكان الأجدر بنا أن نستفيد من هذه الدقائق الثمينة بدلا من تضييعها فتتفاقم مشكلتي». فقال الرجل بامتعاض «يبدو أنك مديرة!»، أجابته بالإيجاب فتساءلت «كيف عرفت؟»، فقال بابتسامة مصطنعة: «لأنك لا تعلمين أين موقعك الحقيقي ولا إلى أين أنت ذاهبة أصلا، ومشكلتك أنك رفعت كمية الهواء الساخن المتصاعد نحو المنطاد فحلق بك عاليا فتهت بعيدا عن مستوى سطح الأرض، ويبدو أيضا أنك قطعت على نفسك عهدا، أمام زميلتك، بالقيام بمهمة صعبة لا تجيدينها وهي التحليق منفردة بهذا المنطاد ولم تتمكني من الإيفاء بوعدك، والآن تتوقعين من الآخرين أن يهبوا لنجدتك!».

هذه القصة الرمزية، التي أرسلها إلي أحد القراء الكرام ونقلتها إلى العربية بتصرف بسيط، تذكرنا بالوعود البراقة التي يتسرع بها بعض المديرين أو القياديين أو الوزراء أمام مرؤوسيهم أو العامة من الناس أو الصحافة، لكسب ودهم ثم يفاجأون بأنهم لا يستطيعون تحقيقها. فبعض المسؤولين مثلا يبث خبرا سارا للناس مثل زيادة حتمية في الراتب أو ترقية أو تطوير جذري في قطاع ما أو حل مشكلة مستعصية في العمل أو المجتمع، من دون أن يرجع إلى المختصين أو المعنيين، لأخذ رأيهم قبل أن يقدم على هذا القرار، فتكون النتيجة أن يدفع الثمن غاليا.. مثلما حدث مع المديرة ومنطادها!

* كاتب متخصص في الإدارة

[email protected]