الفوز ليس استبدادا

TT

كما ليس عرس من دون عروس، ليس هناك ديمقراطية من دون ديمقراطيين. قال «إخوان» مصر، وقد حملتهم الديمقراطية إلى الأكثرية البرلمانية وسدة الحكم: فلينسحب من لجنة صياغة الدستور من ينسحب، نحن باقون. فهم الأكثرية، والغلبة لهم. الديمقراطية ليست حكم الأكثرية بل حفظ حقوق الجميع، بمن فيهم الخاسرون. الذي يخسر الاقتراع لا يرمى خارجا، بل يدعى إلى مراقبة السلطة؛ كما في بريطانيا. وقد ملك عمرو موسى الشجاعة الكبرى بأن رفض موقف «الإخوان» المتعسف، رغم كونه مرشحا للرئاسة، وفي حاجة إلى أصواتهم. لكنه أعطى درسا لهم ولسواهم من حديثي الحرية، بأن الأهم هو مصر.

إلى متى تأخر «الإخوان» في دخول الثورة والظهور في ميدان التحرير؟ كم مرة قالوا إنه لن يكون لهم مرشح للرئاسة؟ وعندما جاء الشيخ القرضاوي إلى الميدان كان أهم ما فعله أنه دفع وائل غنيم جانبا ورفض السلام عليه. واكتشف ثوار «25 يناير» أنهم انتقلوا من ديكتاتورية الفرد إلى ديكتاتورية الجماعة، وأن مصر التي حلموا بظهورها سوف تمنع من الظهور.

كان ديغول يملك أكثرية (65%) في استفتاء شامل، عندما قامت حركة الاعتراض ضده في شوارع باريس. لم يقل لهم أين كنتم حين أنقذت فرنسا في الحرب وأبعدت عنها قهر الاحتلال. لم يقل لهم أنتم عصابات وإرهابيون وسوف نطاردكم تحت سقوف بيوتكم. حمل حقيبته ومشى. ذهب إلى قرية صغيرة لا يرى فيها أحدا سوى مختار البلدة. هكذا ذهبت مارغريت ثاتشر، التي سماها السوفيات «المرأة الحديدية». بعد 11 عاما شعرت أن الناس لم تعد تريدها، فمضت. هكذا مضى موحد ألمانيا الحديثة هلموت كول، وهو في أوج وضعه التاريخي. هكذا ذهب ريتشارد نيكسون عندما اتهم بالكذب. هكذا فعل ميخائيل غورباشوف عندما أطلت روسيا على المنحى الديمقراطي. في الديمقراطية، القوة ليست للمستقوي، بل للعادل والمنصف وذي الأفق الإنساني. والدستور هو لحماية الجميع وليس من أجل أن يضعه فريق. وفي هذا الحال لماذا الدساتير، وما ضرورتها؟ عام 1926 أعطى الانتداب الفرنسي لبنان دستوره الأول. وفي صياغته أعطى الأحقيات للمسيحيين الذين كانوا الأكثرية العددية يومذاك. اعترض وجوه الموارنة قائلين: هذا دستور منقول، لا يصلح لبلدنا. نحن مجموعة مكونات متعددة ولسنا دولة علمانية. وهكذا تم تعديل دستور الانتداب واستبدال دستور وطني به.

الدستور إما أن يكون سبيلا إلى ضمان الوحدة الوطنية، وإما أن يكون مشروع تفجير. الأقلية في مصر الآن ليست الأقباط، بل ملايين المسلمين الذين خسروا الانتخابات. ومعظم أبناء القوات المسلحة. والديمقراطيون الذين يقرون بفوز «الإخوان» لكنهم يدركون أن الفوز ليس رخصة للتجاهل ولا للاستبداد.