إخوان سياسة: «مش حتقدر تغمض عينيك»

TT

في علم وفن التسويق هناك مقولة آسرة ومهمة تتبعها الشركات العالمية الكبرى المتعددة الجنسية، وهي باختصار: «فكر عالميا ونفذ محليا» Think globally, act locally والمعنى الأدق لهذه الجملة أن يتم الاتفاق على شعار كبير مغر وواضح ومبهر وتعطي مساحة الحراك لكل فرع من فروع الشركة حول العالم بحسب ظروف المنافسة ووضع السوق ونوع الزبون المنشود، فمثلا كانت شركة المأكولات السريعة المعروفة «ماكدونالدز» تقوم في فروعها بالفلبين بتقديم المكرونة الإيطالية المشهورة «الاسباكيتي» مع وجبتها الأشهر الهامبرغر نظرا لأن «الاسباكيتي» وجبة مفضلة جدا لدى الشعب الفلبيني، وكذلك الأمر في مواقع أخرى حول العالم. وما ينطبق على هذه الشركة الكبيرة ينطبق على غيرها من الشركات أيضا.

تذكرت ذلك وأنا أتابع بالكثير من الدهشة والاستغراب مواقف جماعة الإخوان المسلمين المتباينة جدا، بحسب كل بلد هي فيها. فاستمعنا إلى خطاب حزب النهضة في تونس وهو يتغير ليتبنى خطابا مدنيا صريحا وصل به الأمر مؤخرا ليقول عن طريق حكومته المشكلة من رجاله إن الشريعة لن تكون المصدر الأساسي للدستور الجديد في البلاد، وطبعا استمع الكل للوثيقة التاريخية المهمة جدا التي أعلنتها حركة الإخوان المسلمين في سوريا خلال مؤتمر صحافي لافت أقاموه في اسطنبول بتركيا والتي أوضحت الجماعة فيه أنها ستراعي حقوق الأقليات تماما ولن تسمح باستبداد الأغلبية على حساب الآخرين، ومنح حقوق المواطنة كاملة وبمساواة تامة للجميع بغض النظر عن الانتماء العرقي والإثني أو الدين، وهو خطاب انقلابي تماما على كافة المعايير الإخوانية التقليدية والموجودة، على سبيل المثال، بشكل واضح في مصر، وهو الذي أدى إلى مأزق سياسي كبير أثار مخاوف وانتقادات الأطراف الأخرى المنتمية للأقليات والتيارات السياسية المختلفة وتمارس دورها بشكل تسلطي واستفزازي بحيث ترغب الجماعة بشكل واضح وصريح في أن تسيطر على كافة المناصب والصلاحيات، حتى تحولت بشكل سريع إلى صورة جديدة من الحزب الوطني الديمقراطي الذي هاج الشعب عليه وتخلص منه، لأنه لم يكن يحترم الأصوات الأخرى مهما اختلفت معه، ولم يكن بالتالي يشاركها في صناعة قرارات مستقبل البلاد.

وهناك طبعا الحراك الإخواني في الكويت الذي اكتسب خلطة خاصة جدا راعى فيها ظروف البلاد واختلط بالخط القبلي ليرسخ قاعدته الشعبية بشكل مختلف. وهناك الحراك الإخواني في الأردن وفي المغرب المعتمد على الجامعات والنقابات بشكل أساسي دون تغيير في الخطاب السياسي العام.

وطبعا هناك الخطاب الإخواني في اليمن المعتمد على إرث قديم وصل إلى هناك من طلبة حسن البنا ليدخل في صميم التركيبة القبلية اليمنية «مستغلا» هذا الوضع ليشكل خطابا إخوانيا يمنيا فريدا وخاصا بالبلاد هناك.

لم يعد من الممكن القول إن هناك خطابا إخوانيا واحدا، وشعار «الإسلام هو الحل» عند تطبيقه يتبين أن هناك عشرات الصيغ لعمل ذلك، وهي مسألة صرف عليها العشرات من السنين في جدل بيزنطي عقيم لأن الإرث السياسي في الإسلام غير موجود، حيث إنه ليس من أصل الدين، وعليه فهو أمر دنيوي بحت كما يثبت ذلك وبشكل عملي هذا الحراك الإخواني المتنوع والمشكل والبراغماتي والمكيافيلي بامتياز. الإخوان حركة سياسية تبحث عن زبونها وتنوع بضاعتها بحسب السوق وحسب رغبة المستهلك وتقلباته، وما كان ممنوعا في يوم ما بات مرغوبا اليوم لتثبت لنا يوميا أن لديها من الإثارة والتنوع والتحول ما يجعل من الممكن فعلا أن نطلق عليها «مش حتقدر تغمض عينيك».

[email protected]