حليف أم وصي؟

TT

إذا كانت الدول، مثل الناس، «مقامات»... فإن مقام روسيا لا يزال محفوظا على قائمة الدول الأكثر نفوذا في العالم حتى بعد انهيار المنظومة السوفياتية. وعليه يصعب تجاهلها في أي تسوية مقبلة للحالة السورية، خصوصا بعد أن شهرت سلاح «الفيتو» لحماية نظامها في مجلس الأمن وتصدت لمسعى التسوية العربية.

ولكن أن تصبح روسيا «الوصي» المطلق على مصير «الوصي السابق» على لبنان، فهذا تطور لا يتلاءم مع مصلحة سوريا الدولة، وإن استفاد النظام منه في معركة وجوده السياسي.

لافت أن تنتقل روسيا، شيئا فشيئا، من موقع صديق أو حتى حليف سوريا، إلى موقع الوصي شبه المطلق على نظامها وحتى على مستقبلها. وبالفعل، أي قراءة هادئة لتصريحات المسؤولين الروس حول الشأن السوري، وخصوصا تصريحات وزير الخارجية سيرغي لافروف، تظهر بوضوح ذلك الموقع «المميز» الذي تطل منه روسيا على الشأن السوري.

على سبيل المثال، لم تجد موسكو حرجا في «تأنيب» الرئيس السوري بشار الأسد، علنا، على «الأخطاء» الكثيرة التي ارتكبها في سياق تعامله مع انتفاضة الشارع السوري، إلا أن ذلك لم يحُل دون اشتراطها لـ«حوار يشمل الحكومة والمعارضة» - فقط ودون أي جهة خارجية أو حتى عربية - لتحديد شكل النظام المقبل في سوريا، ما يضمن عمليا دور «الثقل الروسي» في التسوية.

ولكن التصريح الأكثر تأكيدا لموقع روسيا المستجد على علاقتها بالنظام السوري جاء في إعراب لافروف عن مخاوفه من قيام «نظام سني» في دمشق في حال سقوط نظام الأسد، ما يكشف حرص روسيا على تأمين خلف لنظام الأسد ترتاح إليه ولا يتعارض مع مصالحها في المنطقة.

يجوز التساؤل، على خلفية تصريح لافروف: هل ما تخشاه موسكو فعلا هو قيام «نظام إسلامي» في سوريا على أنقاض نظام الأسد، أم خسارة آخر «موطئ قدم» لنفوذها في المنطقة... وربما فقدان قاعدتها البحرية الوحيدة على سواحل البحر الأبيض المتوسط (طرطوس)؟

لو كان «النظام الإسلامي» هاجس موسكو الحقيقي لما سكتت عقودا على العلاقة الحميمة بين نظام بشار الأسد و«الجمهورية الإسلامية» في إيران، مع كل ما استتبعته هذه العلاقة من دعم سوري للحركات الإسلامية المتشددة التي تصفها موسكو بالإرهابية وتقمعها بشراسة داخل روسيا الاتحادية.

ولكن بصرف النظر عن الهاجس الحقيقي لموسكو لم يعد ممكنا، بعد كل ما بذلته من جهود لمد عمر النظام، التوصل إلى تسوية للأزمة السورية دون «الوقوف على خاطرها».

قد لا تلام روسيا على لعب دور الوصي على سوريا بقدر ما تلام «منافستها» الدولة العظمى الأخرى، الولايات المتحدة، على موقفها الفاتر من دعم انتفاضة شعب يطالب بالمبادئ التي لا تكف عن تأكيد التزامها بها: الديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان، ما يوحي بأن واشنطن ربما تشارك موسكو تخوفها من وصول نظام إسلامي متشدد إلى سدة الحكم في دمشق رغم أن تعددية المجتمع السوري - الذي تعكسه تعددية المعارضة السورية أيضا - تعطي التجربة الديمقراطية فيها فرصا أكثر واقعية منها في أي دولة أخرى من دول «الربيع العربي».

في غياب موقف أميركي لا لبس فيه من انتفاضة الشعب السوري ستبقى سوريا ساحة مفتوحة للتدخل الروسي. وفي حال فشل كوفي أنان في إقناع النظام السوري بالالتزام جديا ببيان الرئاسة الدولي، ستبقى آلة القتل والتقتيل مستمرة، وسيواصل نظام الأسد مسيرة كسب المواجهات الأمنية مع شعبه... وخسارة معركة البقاء في السلطة.