الإطاحة بالأسد عبر الحل الدبلوماسي

TT

ربما يكون قد آن الأوان بالنسبة للثوار السوريين أن يستغلوا موافقة الرئيس السوري بشار الأسد على «الانتقال المنظم» للسلطة برعاية الأمم المتحدة، بدلا من الانزلاق نحو حرب أهلية تجلب الموت والدمار للمنطقة برمتها.

وقد أعلنت حكومة الأسد يوم الثلاثاء الماضي أنها مستعدة لقبول خطة سلام تحت رعاية المبعوث الخاص للأمم المتحدة كوفي أنان. وجاء الإعلان السوري في العاصمة الصينية بكين عقب التصديق على الخطة من قبل كل من الصين وروسيا. وبالرغم من أن الاقتراح يحتوي على العديد من مواطن الضعف، إلا أنه قد يفتح الطريق باتجاه «هبوط ناعم» أو حل دبلوماسي للوضع المتأزم في سوريا والذي من شأنه أن يطيح بنظام الأسد بدون المساس باستقرار سوريا.

إنني أعلم بالطبع أن الجبناء هم من يبحثون عن مثل هذه الحلول الدبلوماسية المعتدلة، وأعلم أن المتحمسين يدعون إلى تزويد المعارضة السورية بالأسلحة وإقامة مناطق لحظر الطيران وغيرها من الحلول العسكرية. وعندما يتعلق الأمر بالناحية الأخلاقية، فمن الصعوبة بمكان أن تجادل في عدالة قضية المعارضة، ولكن المشكلة الرئيسية تكمن في أن الحلول العسكرية سوف تؤدي إلى مقتل العديد من المدنيين الأبرياء وتدمر التوازن الموجود في سوريا والذي يعاني من الضعف الشديد بالفعل.

وعلى هذا الأساس، يتعين علينا أن نتعلم من التاريخ الحديث للشرق الأوسط وأن نبحث عن حل غير عسكري للوضع في سوريا - حتى في ضوء حالة الغموض الحتمية التي تسيطر على الوضع وفي ظل الحاجة إلى الوصول إلى تسوية مع الناس الذين يشعرون بالحزن. وعلاوة على ذلك، فإن التوصل لاتفاق سلام بشأن الوضع السوري سوف يمنح دور البطولة لكل من روسيا والصين، وهما دولتان لا تستحقان الإشادة على أية حال. وسوف يختال بوتين بنفسه في عرض وموكب كبير لو تمكن من المساعدة في التوصل إلى تسوية سلمية تؤدي إلى رحيل الأسد من السلطة.

ويمكن تلخيص هذا الانتقال الحذر بكلمة واحدة فقط وهي العراق، فإذا ما نظرنا إلى الحرب الأميركية على العراق، فسوف نكتشف أن أكبر خطأ ارتكبته الولايات المتحدة عقب الإطاحة بصدام حسين من الحكم هو استمرارها في تدمير كيان الدولة العراقية والجيش العراقي. وقد أدى غياب تلك المؤسسات إلى وجود حالة من عدم الاستقرار في الدولة، وتراجع العراقيون للدفاع عن أنفسهم عن طريق التمسك بالولاء إلى الطائفة والقبيلة. ومن هذا المنطلق، نجد أن الغزو الأميركي قام عن غير قصد وبشكل مأساوي بدفع العراق إلى الخلف من الناحية الزمنية، فعلى الرغم من أن العراق قد حصل على قدر من «الديمقراطية»، إلا أنه خسر التماسك والترابط الاجتماعي.

ولا يتعين على الولايات المتحدة أن تكرر نفس الخطأ في سوريا، بغض النظر عن مطالبة المعارضة السورية بإمدادها بالسلاح، لأننا قد رأينا هذا الفيلم من قبل، وندرك أنه سيقودنا إلى نوع من الفوضى يصعب السيطرة عليها، ونعلم أيضا أنه بالنسبة لفساد وانحرافات الأسد وأتباعه الحمقى من حزب البعث، فإن الدولة السورية والجيش السوري هما مؤسسات وطنية تتعدى العائلة الحاكمة وطائفته العلوية والبعثيين الفاسدين الذين اختطفوا سوريا في ستينيات القرن الماضي.

إنني أقدر إدارة أوباما بسبب مقاومة الدعوات المتزايدة من أجل تسليح الثوار السوريين - والاستمرار في طلب المساعدة من موسكو، حتى بعد التباطؤ الروسي الذي وصفته وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون الشهر الماضي (بحماقة ولكن بدقة) بأنه «حقير».

إنه وقت السياسة الواقعية، حيث يحتاج الغرب مساعدة روسيا في التخلص من الأسد بدون حرب أهلية، في حين تحتاج روسيا إلى أن تكون هي الوسيط في عملية الانتقال السلمي حتى تستطيع دعم نفوذها في العالم العربي في المستقبل، وهذا هو المنطق البراغماتي الذي يقود جهود أنان السلمية.

ولن يتأتى التغيير السياسي (وحتى الانتقال السلمي الحذر الذي أدعمه بقوة) للسوريين بدون إراقة بعض الدماء؛ فعلى مدار العام الماضي، كانت المواجهة من جانب واحد، حيث قامت قوات الأسد بذبح نحو 10,000 مقاتل ومدني من المعارضة، وقد تم التعهد بتسوية النزاعات. ويجب على الدول الصديقة لسوريا أن تبدأ في التفكير في وسائل جديدة لمنع الانتقام من الطائفة العلوية أو المسيحية التي تدين بالولاء للنظام السوري، عندما يهرب الأسد إلى الدوحة أو موسكو. وأتمنى أن يتواصل أنان مع قادة تلك الأقليات الدينية حتى يطمئنهم بأنهم لن يتعرضوا للأذى في حال رحيل الأسد.

ولا يوجد بديل للحل الدبلوماسي سوى الحرب التي تدمر التماسك الاجتماعي في سوريا. فمن السهل أن نتخيل سيطرة الميليشيات السنية على المدن الرئيسية مثل حمص وحماة وإدلب، بينما يتراجع العلويون إلى أجزاء من دمشق واللاذقية في الشمال. وقد يزعم الأسد إنه لا يزال الرئيس عندئذ، ولكنه سيكون آنذاك بمثابة قائد عسكري أقرب منه إلى رئيس (وإن كان بإمكانه الحصول على أسلحة كيماوية). وسيكون هذا السيناريو قاتما للغاية، لأن القوات الجوية الغربية سيكون لها تأثير محدود.

وقد أشار الكاتب باتريك سيل، الذي يعرف سوريا أكثر من أي كاتب غربي آخر، في السيرة الذاتية لحافظ الأسد إلى الوحشية المتناهية والقتال حتى الموت الذي أدى إلى مذبحة حماة منذ 30 عاما، حيث يقول «أدى الخوف والبغض ونهر الدماء إلى الحيلولة دون التوصل إلى أي هدنة»، وأضاف «فلندعُ الله ألا يسود نفس منطق رفض التسوية اليوم من جانب كلا الطرفين».