معايير

TT

أعلنت «الجزيرة» على موقعها باللغة الإنجليزية، أنها لن تبث الشريط الذي أرسل إليها حول المجازر التي ارتكبها محمد مراح في فرنسا، لأن ذلك لا يتماشى مع «معاييرها الأخلاقية» لشروط البث. وكان نيكولا ساركوزي اعترض على بث الشريط، لأنه سوف يقسم الفرنسيين ويثير الكره للفاعل وما يمثل.

هل هذه مرحلة جديدة تبدأها «الجزيرة» وفقا «للمعايير الأخلاقية في البث»؟ بعد ظهور «الجزيرة» قامت نحو ألف فضائية عربية، نصفها حاول أن يقلد أسلوب «الجزيرة» ومعاييرها. أحد البرامج كان يبث أقوال المشاركين على الهواء من دون المرور بغرفة التحرير. وبالتالي دون أي ضبط أو أي معيار. وبعد ضرب برجي التجارة في نيويورك مطلع القرن، تحولت «الجزيرة» إلى قناة أسامة بن لادن.. شرائط متقنة الإخراج، وبعضها يحمل قصائده، الفاقدة جاذبية الشعر.

استمرأت «الجزيرة» دورها كقناة توزع الخوف وتطلق الشعارات وتهدد الاستقرار في غير مكان. وتحت شعار الحياد والموضوعية، خالفت شروط الحياد وتجاوزت الموضوعية. وطاب لها أنها قادرة على إحداث التغيير؛ بل وقلب الأنظمة. ولم تنج منها في الماضي دولة عربية صغيرة أو كبيرة.

لكن «الجزيرة» اكتشفت بعد مضي وقت أن أشرطة أسامة بن لادن في جبال أفغانستان أدت إلى أشرطة محمد مراح، الضاحك أبدا، وهو يردي الجنود أو الأطفال. الدماء الكثيرة لا تعود مسلية ولا تظل سبقا صحافيا. لقد أرست «الجزيرة» مدرسة في البث، بلا قواعد أو معايير، ومن المثلج الآن أن تعود عنها، ويعود معها الجمهور العربي الذي كان يعتقد أن الصراخ هو الجهاد والصياح هو النصر.

ضربت مجزرة محمد مراح قلب فرنسا: الرجل الذي يقتل الجنود المسلمين والأطفال اليهود ببندقية واحدة ويلتقط لنفسه الصور ضاحكا. وإذ تفتش الشرطة شقته، تعثر على ترسانة أسلحة، ولا شيء آخر.. مجرد أسلحة للقتل وآلة تصوير متطورة، تؤمن شروط ومعايير البث التلفزيوني.

كان هم محمد مراح الأول، ليس آثار القتل، بل أهمية الظهور وهو يعرض كفاءته ويبث «رسالته». ويتساءل المرء الآن، كم هو عدد البرامج والمداخلات والأشرطة التي كانت تتمتع «بمعايير البث» في الماضي؟ وهل كان هناك هدف «قومي» من صناعة الأبطال الذين ساهمت «الجزيرة» في صناعتهم؟ ألم تكن قادرة على تقديم مدرسة أخرى للعرب في عصر صار فيه التلفزيون الطريق الأقصر إلى العقول، خصوصا الطري منها؟

من المؤسف أن يكون النجاح العالمي الذي حققته «الجزيرة» قد تحول إلى منبر سهل لشتى أنواع التطرف والمؤثرات المختلفة. ومن الجيد العودة إلى المعايير، وأصول البث.