أحلام جميلة وواقع ليس

TT

كنت شابا وسعيدا عندما حضرت القمة العربية الأولى في مصر. وكنت ساذجا وحالما وسعيدا لأنني لا أدرك أنني ساذج وحالم. ولكن أيضا كانت مرحلة يمكن فيها أن نحلم، ويمكن أن نغفر للحاكم سذاجته. وأمس، شعرت ببهجة عارمة لأن الرئيس جلال طالباني تحدث عن حقوق الفلسطينيين، وصرح علنا، ودون خوف من أن يسمعه رئيس وزرائه، بأن على العراق أن يعنى بمحيطه العربي.

لم أعد شابا ولا حالما. ربما ساذج، أجل. وهي قمة أهميتها بمن غاب لا بمن حضر. لا مزمنون يربضون على مقاعد الترؤس. صباح الأحمد حضر للتأكد من أن صدام حسين قد غاب. وغاب عميد الحكام العرب والمهرج السمج وثقيل الألفاظ. وغاب حسني مبارك الذي لم يمنّ على مصر بنائب للرئيس. وغاب بن علي مدى الحياة. وما من أحد يصدق أن علي عبد الله صالح لم يحضر. ما زلنا نتأمل الصورة جيدا؛ من يدري؟!

حضر عمر البشير باسم الرؤساء الذين قرروا الاعتزال بعد ربع قرن وربع دارفور ونصف السودان. وغاب بشار الأسد بعذر شرعي: يتفقد رعاياه في حمص وينظر برأفة في «الالتماس» الذي قدمه مجلس الشعب حول تأجيل الانتخابات. أول قمة عربية من دون قلب العروبة النابض والعوض بحضور جزر القمر والصومال.

قمة بلا أحلام ولا تحتمل السذاجة. قمة تدعو إلى دعم مهمة كوفي أنان لأنها عجزت عن فعل أي شيء في سوريا سوى إحصاء القتلى. فالعدد كبير إلى درجة أنه لم يعد أحد يهتم بعدد النازحين والجرحى والمعتقلين وعموم البؤساء. وأهم ما فيها أنها عقدت، وأنها عقدت في بغداد، التي كان كثيرون قد اعتقدوا أنها اعتادت الحياة خارج العرب وخارج الحياة.

لم يغير «الربيع العربي» شيئا. سوريا تدمى بغزارة. وليبيا فوضاها أكبر بكثير من استقرارها. واليمن جروحه كثيرة؛ من «القاعدة» إلى الحوثيين. والعراق عطوب. ولا مصالحة في فلسطين. وتونس في الموقف الأكثر قلقا من رئاسة مدى الحياة. و«شباب» الصومال ماضون في تحريره من جميع أهله. والقراء يعاتبون: لماذا أنت متشائم دائما؟ طبع.. سامحونا.

رئيس من أصل كردي يوصي بعروبة العراق و«جمهورية سوريا العربية» معزولة في العالم العربي، فقدت علاقاتها بالجميع، إلا إيران وروسيا والصين. أين ينبض قلب العروبة اليوم؟ ما حلمها الآن غير الكف عن قصف حمص؟ فماذا ومَن بقي في حمص لكي تستمر هذه الدبابات في التنزه بمدافعها بين الركام؟

كان الغياب في أي حال أكثر رؤية من الحضور. لا ثياب مزركشة تجرجر خلف صاحبها على الأرض. لا قبعات مذهبة. لا أوسمة مضحكة. لا هزليات سمجة. ولا مؤامرات لقتل الحضور.