غاب الأسد وحضرت سوريا

TT

محاور عدة تضمنها البيان الختامي لقمة بغداد، ولكن يمكننا القول بأن الملف السوري كان الأكثر حضورا في قمة بغداد العربية من خلال تبني الزعماء والقادة العرب خطة كوفي أنان من جهة وإدانتهم للقمع الذي يمارسه النظام السوري ضد شعبه منذ أكثر من عام من جهة ثانية، وهو ما يشكل عملية ضغط سياسي على النظام في سوريا الذي بدا أكثر عزلة في محيطه العربي والإقليمي وهذه العزلة دفعته لأن يستبق القمة العربية بإعلان رفضه أي مبادرات ومقترحات وتوصيات تصدر منها دون أن ينتظر انعقادها الرسمي وهو ما يؤكد تخبط هذا النظام في تصرفاته وسلوكياته التي لم تعد تصلح للمرحلة التاريخية التي تمر بها سوريا والمنطقة برمتها وأيضا أنه يدرك جيدا أن ممارساته القمعية لم تعد مقبولة ولا يمكن النظر إليها على أنها شأن داخلي لا يمكن التحدث به، خاصة إن قضية حقوق الإنسان لم تعد من القضايا الداخلية التي لا يحق للدول مناقشتها بقدر ما هي قضية مجتمع دولي يجد أن أي انتهاكات تحصل في أي دولة من الدول تعني الجميع، وعملية الدفاع عن حقوق الإنسان مسألة تخص جميع الدول والهيئات والمنظمات خاصة أن النظام الأمني والعسكري ارتكب مجزرة بابا عمرو ضد المدنيين وهي جريمة ترقى إلى الجرائم ضد الإنسانية وتتطلب مساءلة المسؤولين عن ارتكابها وعدم إفلاتهم من العقاب والتحذير من مغبة تكرار مثل هذه الجريمة في مناطق أخرى بسوريا، خاصة أن هنالك مجازر أخرى من الممكن أن يرتكبها هذا النظام في الأيام والأسابيع المقبلة خاصة أن ثورة الشعب السوري مستمرة دون توقف.

ورغم غياب سوريا رسميا عن القمة بسبب تعليق عضويتها من قبل الجامعة العربية، فإن ملفها حضر بقوة سواء في خطب رؤساء الوفود أو في البيان الختامي، ولم يجد النظام في سوريا من يدافع عنه كما كان في السابق لأن الكثير من الحقائق قد كشفت وباتت حرية الشعب السوري قضية دولية وملفها يناقش في أروقة الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي بسبب رفض النظام السوري المبادرات العربية المتعددة والتي كانت ترمي لوقف العنف وإجراء الإصلاحات المطلوبة، وهذا ما يجعل مراهنة النظام في دمشق على العلاقات الثنائية مع بعض الدول مراهنة فاشلة لأن الدول العربية التي حضرت قمة بغداد لم تختلف في القضية السورية وأجمعت على ضرورة منح الشعب السوري حرية اختيار نظامه السياسي بأسلوب ديمقراطي بعيدا عن القمع والبطش والتنكيل والمجازر الدموية التي ترتكب يوميا وبالتالي لن يجد الأسد حليفا له داخل المنظومة العربية التي أجمعت على إدانته بقوة.

وأجد أن ما خرج به القادة العرب في قمة بغداد حول سوريا يمثل الفرصة الأخيرة لنظام بشار الأسد لأن يعي حقيقة الأمور كما هي في أرض الواقع وأن يبتعد عن سياسة القبول النظري والإعلامي للمبادرات التي لا تجد طريقا لها في أرض الواقع، خاصة أن النظام في سوريا وافق على خطة كوفي أنان المبعوث المشترك للأمم المتحدة والجامعة العربية، وهذه الموافقة نظرية وليست واقعية، إذ ما زالت عمليات القتل والقمع مستمرة حتى يومنا هذا وبالتالي فإن القبول النظري ما هو إلا محاولة لكسب مزيد من الوقت على حساب أرواح الشعب في سوريا.

ووجدنا أن كلمة الرئيس التونسي المنصف المرزوقي كانت الأشد حضورا لدى المتلقي في العالم العربي لأنها عبرت بشكل صادق وحقيقي عن طبيعة النظام السوري وتفكيره، إذ إنه لا يريد شيئا قدر إطالة الصراع ليتحول إلى حرب طاحنة يستطيع إدارتها إلى أطول وقت ممكن والتفاوض حول نهايتها من موقع القوة، ووجدنا أن السيد المرزوقي هو الوحيد من الزعماء العرب الذي طالب صراحة بتنحي الأسد عن الحكم وإفساح المجال لتداول سلمي للسلطة في هذا البلد الذي أغرقه الأسد بالدم ولا يشم منه سوى رائحة الموت الممزوجة بالبارود المستورد من روسيا.