من كومبارس إلى نجم شباك!

TT

اجتمع في مدينة نيودلهي بالهند قادة الدول الأهم في الأسواق الاقتصادية الناشئة المعروفة باسم «البريكس»، وذلك اختصارا للحروف الأولى من أسمائها وهي البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا، وفي هذه الاجتماعات وضحوا موقفا قويا متحدا في مواجهة صندوق النقد الدولي، وإعلانهم أنهم سيتوقفون عن ضخ المزيد من الأموال في أرصدته دعما لحملة الإنقاذ المالي للاقتصاد الأوروبي المهدد ما لم يكن لهم الحق الواضح في التصويت على القرارات والسياسات للصندوق، ويكون لهم بالتالي دور سياسي وقيادي حقيقي وليس تمويلا فحسب.

ووجه قادة هذه الدول رسالة واضحة أن لديهم شكوكا وتحفظات على أسلوب إدارة وسياسات الصندوق، وأن هناك اهتزازا في الثقة في قدرة إدارة الصندوق اليوم على تطبيق كافة الإصلاحات المالية والاقتصادية التي أقرت في عام 2010، والتي كان من أهمها تحويل ثقل التصويت على قرارات وسياسات الصندوق بالتدريج لصالح الدول الاقتصادية الناشئة نظرا لثقلها وأهميتها المتعاظمة على الساحة الدولية بشكل لا يمكن إنكاره.

وكذلك انتقدت هذه الدول سياسة الدول الصناعية الكبرى، واتهمتها بسوء الأداء والتخطيط والتصرف في أعقاب الكارثة المالية الكبرى، وهي باعتقادهم أسباب جوهرية ساهمت بشكل حقيقي في إطالة أمد الأزمة وزحزحة ثقة المستهلك والمستثمر في مختلف دول العالم.

ولعل التوصيف الأبلغ لذلك الأمر هو الذي أدلت به رئيسة البرازيل ديلما روسيف التي اتهمت الدول الغربية بأنها تسببت في «تسونامي مالي» لأنهم اتبعوا سياسات مالية فجة وذات طموحات توسعية مبنية على معدلات فائدة متدنية للغاية تسببت في أذى مضاعف للدول الناشئة، معطلة خططها للنمو التي كانت تنشدها وتسعى جاهدة إليها.

هذا الموقف يأتي بشكل طبيعي مع إحساس بالثقة المتعاظم لهذه الدول ونجاحاتها الاقتصادية المتواصلة، وكل ذلك أدى إلى أن تتحسن مكانة هذه الدول على خريطة دول العالم اقتصاديا مما يعني تلقائيا أن ثقلها وأهميتها السياسية بالتالي لا بد أن يكون لها كذلك نفس الثقل.

ونرى ذلك الأمر في مواقف مختلفة في الملف الإيراني النووي، وفي ملف الثورة السورية، ولكن هذه الدول فشلت فشلا ذريعا في أن تلتف ككتلة واحدة لدعم مرشح واحد لمنصب رئيس صندوق النقد الدولي يواجهون به مرشح الولايات المتحدة الذي قدمه للعالم أخيرا الرئيس باراك أوباما، وهو جيم يونغ كيم رئيس جامعة دارموث كوليدج المرموقة، وهو أميركي من أصول كورية، أراد به الرئيس أوباما أن يطيب خاطر الدول الناشئة ويطمئنها، بأن اختياره هو شخصية من أصول قريبة منهم (باعتبار كوريا الجنوبية إحدى أهم الأسواق الناشئة في العالم اليوم) وهو اختيار لا يجيء كما كان متوقعا من خلفيات مالية، ولكن المرشح يأتي من خلفية اجتماعية سياسية اقتصادية، وبالتالي فكره ينتمي لنفس قضايا دول العالم الثالث الباحثة عن التوازن التنموي والعدالة في ذلك.

وينافسه فعليا على المنصب اليوم كل من نجوزي أوكونجو أوييلا وزير المالية النيجيري، وخوسيه أنتونيو أوكامبو وزير المالية الكولومبي الأسبق، وإن كان العرف والتقليد يقر دوما بأن يذهب منصب رئاسة النقد الدولي لشخص من الجنسية الأميركية، ويكون نصيب رئاسة البنك الدولي لحامل جنسية أوروبية.

وفشل الدول الاقتصادية الناشئة في توحيد جهودها لدعم مرشح واحد ضد المرشح الأميركي يؤكد أن هناك مسافة بين النجاح الاقتصادي الذي تحقق ونشوته والحنكة السياسية والدهاء المطلوب معها، وهو أمر لم يتحقق حتى الآن، ولكن الأيام يبدو أنها ستكون حبلى بالتغيير والمفاجآت، وبدول كانت في أدوار مساندة وثانوية و«كومبارس» باتت تسعى لنيل دور البطولة و«نجومية الشباك» والجمهور يبقى هو الحكم!

[email protected]