السعودية تختطف قمة العرب في قلب بيروت

TT

في زحمة الأحداث العربية ومسلسل الأخبار السلبية، وقمة عرجاء في بغداد، يأتي الضوء هذه المرة من بيروت، التي تحتضن قمة مختلفة عن إيقاع الاجتماعات العربية، وهي قمة «عرب نت» الرقمية التي حضرها نحو ألف من المهتمين بمجمل قطاع الاتصالات والمعلوماتية والصناعات الرقمية وصناعة المحتوى.

لم يكن يوم الخميس يوما عاديا في قاعة مؤتمرات فندق الحبتور؛ إذ كان المكان يحاكي المستقبل بأفكار خارج السرب، وبوجوه تصنع الأمل العربي المقبل. شابات وشباب اكتظت بهم القاعة، وفتح منظمو المؤتمر الفرصة لعشرة شباب أن يطرحوا أفكار مشاريعهم المبتكرة التي تبحث عن تمويل. وأعطوا لكل واحد منهم فرصة دقيقتين ليقدم فكرته، بوجود لجنة تحكيمية بحيث يتم تمويل المشاريع المميزة. كانت القاعة تضج بالتصفيق بعد كل مشروع يُطرح؛ لذلك بالفعل لم يكن شعار المؤتمر «قمة التحول الرقمي» بعيدا عن المحتوى الفعلي.

السعودية كانت الحاضر الأكبر في هذا المؤتمر؛ إذ كانت القاسم المشترك في أوراق المتحدثين والمداخلات، وكشف المتحدثون عن أنها من أفضل دول المنطقة للاستثمار في التقنية والمعلومات.

وبرزت السعودية كمثال لواحدة من أهم الأسواق العالمية الواعدة من ناحية المعلوماتية وتقنية الاتصالات، واستشهد المتحدثون في جلسة التوجهات الجديدة في الجوال والإنترنت، بأن السعودية تمتلك قدرات تمويلية، وسوقا كبيرة وقوة شرائية مرتفعة، مما يؤهلها لنمو هائل في صناعة الاتصالات والمعلوماتية.

ولم يكن رشيد البلاع، رئيس شركة «إن تو في»، بشماغه الأحمر، لافتا للانتباه بزيه الوطني ضمن المتحدثين في الجلسة الرئيسية، بل أيضا بطرحه الذي اكتسب إعجاب الحاضرين في القاعة وتفاعلهم. وقال البلاع: إن نسبة الهواتف الذكية في السعودية 26%، وهي أكبر من بريطانيا التي تبلغ فيها النسبة 25% فقط. ويعتقد أن الجيل الجديد هو الذي سيعمل النقلة النوعية في تقنية المعلومات، ويستشهد بقصص نجاحات مثيرة. ويرى أن الحكومات بدأت بالعمل على دعم الريادة بإطلاق الحاضنات التي تتبنى المشاريع الإبداعية ذات الأفكار الخلاقة.

وما إن انتهت هذه الجلسة إلا وكان باري نيوستيد، من «ويكيبيديا»، المتحدث في الجلسة الثانية، يتحدث عن أهمية «ويكيبيديا» لمستقبل العربية على الإنترنت، ويقول إن ربع المحتوى العربي في «ويكيبيديا» من السعودية وحدها، والباقي من مختلف الدول العربية.

وكانت إحدى الشاشات الرئيسية تنقل ما يُكتب في «تويتر» عن المؤتمر، كتب أحدهم تغريدة: تفتتح الآن القمة العربية في بغداد، ولكن ما نعيشه هنا في «عرب نت» هو حقا قمة عربية عالمية. وبالفعل فالمديرون التنفيذيون لشركات «نوكيا» و«إريكسون» و«ياهو» و«مايكروسوفت» و«سوني» للترفيه يقدمون أوراقهم ويتناقشون حول مستقبل المنطقة، مشيرين إلى التطورات المتعلقة بالإعلام الاجتماعي وشبكات التواصل، وكذلك الهواتف الذكية والأجهزة اللوحية سوف تغير وجه المنطقة وأسلوب التواصل بين شرائح المجتمع.

وتفاعل الجمهور كثيرا مع مشاريع الشباب التي طرحت؛ من مبادرة عن الإرشاد الوظيفي، ومساعدة الطلبة في صنع خياراتهم المستقبلية، إلى مشروع تحت اسم «حارات» لربط الجغرافيا مع الناس، بحيث يتم التواصل بينهم، بينما تقدم طبيب نفساني بفكرة استخدام الإنترنت في حل المشاكل النفسية عن طريق موقع تفاعلي مبتكر.

وعادت السعودية إلى الصورة مرة أخرى عندما تقدم شاب أردني بمشروع لتسديد الفواتير المختلفة من موقع واحد، وقال إنه اقتبس فكرته من السعودية التي لديها شركة سداد للمدفوعات وتعطي الفرصة لمعظم السعوديين والمقيمين أن يسددوا فواتير الكهرباء والمياه والهاتف وغيرها من خلال برنامج سداد. وأضاف أن الفكرة سبقت فيها السعودية على مستوى المنطقة وتحاول دول كثيرة أن تحذو حذوها، وأن مبادرته في شركته للمساعدة في تطبيق المشروع في الأردن.

وتطرقت أوراق المؤتمر إلى نمو المحتوى العربي في الإنترنت الذي ما زال متواضعا، لكن كما قال أحد المتحدثين إن التطور يبدأ من خلال المعرفة والمتابعة، وإن الإنترنت يعتبر نسبيا جديدا في العالم العربي مقارنة ببقية دول العالم، لكن هناك نموا كبيرا في التعرف على العوالم التي يكتشفها الجمهور العربي الآن؛ فالسعودية أكبر بلد في العالم من ناحية متابعة «يوتيوب» على الهواتف الجوالة.

التفت زميل بجانبي قال يبدو أنه يوم السعودية، لحظتها كانت هناك تغريدة على شاشة المؤتمر الضخمة كتبها حسن المصطفى: «في (عرب نت) برز الحديث عن السعودية كسوق ضخمة للمشاريع الإلكترونية، هل هنالك بنية تشريعية تكفل نجاح المشاريع القائمة والمقبلة؟». ابتسمت وقلت له: التحدي ليس سهلا، إنه رهان مستقبل واستثمار فكر.

شكل جديد للمنطقة يرسمه شباب ركزوا على الاستثمار في المعلوماتية وخاطبوا المستقبل بدلا من الانغلاق في الماضي. ورش العمل كانت تعبر عن روح جديدة وارتباط بالانتماء العربي. كانت هناك تساؤلات: لماذا المحتوى العربي على الإنترنت ضعيف، واهتمام بطرح أفكار جديدة لا يكون حدودها المنطقة العربية بل تصل للعالمية؟ جيل متحمس، وثقة كبيرة قدمها شباب يملكون الفكرة والحماس وينتظرهم المستقبل.

في الجلسة الأخيرة من اليوم الأول كانت هناك تغريدة صفقت لها القاعة كثيرا، تقول: «إن عدد التغريدات عن قمة (عرب نت) في الـ(تايم لاين) كانت أكثر من التغريدات عن القمة العربية في بغداد». التصفيق لهذه التغريدة كان أبلغ رسالة عن التوجه الجديد للشباب العربي.