معنى «سياسة» نصر الله.. و«استقرار» المقدسي!

TT

«توقع المرء من الآخرين فعل ما لا يفعله هو في ما لو طلب منه.. هو أسوأ أنواع الغطرسة».

(أنطوني بيل)

«فورا».. «الآن».. «الآن يعني الآن».. عبارات باتت ثقيلة الوطأة علينا نحن المتابعين عن بعد، فهل لنا تخيل ثقلها على قلوب المشردين والخائفين والملاحقين من مكان مدمر إلى آخر.. على امتداد تراب سوريا؟

الكلام الأجوف - كما يتأكد كل يوم - ما عاد يصدقه غير مطلقيه، والتدابير القاصرة الملحقة به تبدو أقرب ما تكون إلى «ورقة توت» بالكاد تستر عورة مجتمع دولي متواطئ.. تتراوح مواقفه على مختلف المستويات بين العجز المطلق والتآمر القبيح.

أولى الجهات غير المصدقة وغير المكترثة نظام بشار الأسد نفسه، وهذا خير دليل على انعدام فاعلية كل ما قال.. ولا يفعل. ففي حين تستمر حالة التواطؤ، بل التآمر، يواصل نظام الرئيس بشار الأسد منذ أكثر من سنة ممارسة «التطهير الديموغرافي» في أجزاء عديدة وحساسة في سوريا. والكلام الذي تناقلته وكالات الأنباء ووسائل الإعلام عن جهاد المقدسي، الناطق الرسمي باسم النظام، أتيح لي «الاستمتاع» بالإصغاء إليه، حيا، على الهواء عبر «الفضائية السورية» الرسمية.

كان من المفارقات المؤلمة أن يأتي كلام المقدسي، مصحوبا بصور القصف على المدن والبلدات السورية، وأيضا - خلال ساعات قليلة فاصلة - من مشاهد القمع الإسرائيلي في «يوم الأرض». ويؤسفني القول إن أي مراقب محايد شاهد أسلوب القمع الإسرائيلي لتحركات الشارع الفلسطيني في «يوم الأرض» وقارنه بالقصف المدفعي والصاروخي في حمص وأريافها وحوران وريف دمشق وريف إدلب وغيرها من الأماكن الساخنة في سوريا.. يتعذر عليه تصور أي من الجيشين اللذين يواجهان الناس «جيش الاحتلال».. وأيهما «جيش حماة الديار»!

الحقد ومستوى العنف اللذان يتسم بهما القمعان، مع الأسف، خارج نطاق المقارنة. على الأقل، لم يستخدم «جيش الاحتلال»، المفترض أنه جيش عدو، المدفعية والصواريخ ضد الشباب الفلسطيني المتظاهر في «يوم الأرض»، كما فعل «حماة الديار» لهدم الديار والدور على رؤوس ساكنيها. غير أن الجانب الأكثر إيلاما هو أن «المبرر» الذي استخدمه المحتل الإسرائيلي والحاكم السوري في القمع، في الواقع، مبرر واحد هو.. فرض «الاستقرار»، كما بشرنا السيد المقدسي، لا فض فوه.

فلا وقف للقتل ولا سحب للجيش من المدن.. لا سلام ولا تطبيق لمهمة كوفي أنان، المستندة إلى مبادرة جامعة نبيل العربي وتصويت الجمعية العمومية للأمم المتحدة - حسب المقدسي - قبل فرض «الاستقرار» وتأكيد «السيادة». وهذا يعني العودة بسوريا والسوريين إلى المربع الأول.

يعني أن النظام الذي ألغى بنفسه «شرعيته» في أعقاب قتله الآلاف من أبناء شعبه.. لا يريد إدراك أن لا «سيادة» حيث لا مواطنة، ولا سلطة حيث يخون الحاكم أمانة حماية شعبه. وحتما، لا يعود هناك أي معنى لـ«الاستقرار» إذا كان كما وصفه المفكر والأكاديمي السوري الكبير الدكتور صادق جلال العظم «استقرار القبور».

ولكن لكي نفهم معنى «الاستقرار» في قاموس نظام بشار الأسد، كما يعبر عنه جهاد المقدسي، علينا متابعة الخطاب الذي ألقاه السيد حسن نصر الله بالأمس. وهو خطاب جاء كالعادة مزيجا من رد الفعل على تعاقب الأحداث وتأكيد ثوابت ما يمثل ومن يمثل السيد نصر الله في لبنان.

نصر الله خاطب مستمعيه في مجمع «السيدة زينب» في الضاحية الجنوبية قائلا «أرادوا سحقنا وإماتة ذكرنا ومحو ذاكرتنا، ومن خلال هذا المجمع نقول لهم نحن هنا، وقد أقمنا هذا المجمع واخترنا إطلاق اسم (السيدة زينب) عليه، وهو اسم له دلالته ورمزيته، وهو الثبات والتمسك والمضي بطريق الحق وتحمل المصاعب والتغلب على الشدائد والأمل بالله واليقين بالمستقبل».

وبعد إثارة نصر الله «تجاهل» القمة العربية الأخيرة في بغداد - التي استضافها نوري المالكي حليفه وحليف حليفه بشار الأسد - موضوع البحرين، ومن ثم الخوض فيه بشيء من التفصيل والحماسة، تطرق إلى مسألتين محوريتين، هما: الوضع في سوريا، والحالة السياسية في لبنان.

ومجددا، بلهجة «المنتصر» المزهو بانتصاره، قال عن سوريا «المعارضة المسلحة لن تستطيع أن تسقط النظام، فهي تستطيع أن تحتل قرية ثم تخرج منها أو تقتل ضابطا، لكنها لن تسقط النظام. والجميع على يقين أن الحل في سوريا لن يكون إلا سياسيا، غير ذلك هو مصلحة إسرائيل (!).. ».

ولتوضيح طبيعة «الحل السياسي» الذي ينشده نصر الله، وتريده إيران - كما عبر عنه قبل أيام عبد الأمير عبد اللهيان، نائب وزير الخارجية الإيراني للشؤون العربية والأفريقية، خلال زيارته للبنان - شرح أمين عام حزب الله منظوره للحالة السياسية في لبنان، وسط ارتباك أداء الحكومة الحالية التي شكلها «الحزب» ويرعى استمرارها.

قال نصر الله «إن بقاء الحكومة مصلحة لأمن البلد.. ».. وتابع بثقة من بيده الأمر والنهي، قائلا «الحكومة، أكانت فاشلة أو غير فاشلة، لا تسقط بالدواليب (إحراق الإطارات في الشوارع). السياسة هي من تسقط الحكومة ومن تبقيها، وهذه الحكومة يجب أن تنجز وتعمل في الليل والنهار، وحتى ولو حصل غدا طرح الثقة، فالواجب أن تنجز. إن النكايات هي التي تعطل الكثير من المشاريع والإنجازات، من نكايات شخصية وحزبية وحسابات في أمور واضحة، لكن بالمعطى السياسي إن الحكومة مستمرة، وليس كما يقول البعض إن حزب الله يريدها أن تبقى، فهذا غير صحيح. المعطى السياسي والأحداث في سوريا تأخذ هذا الاتجاه، وهذا ما يقول إن الحكومة مستمرة، وأدعو الرؤساء والجميع إلى تحمل المسؤولية والتفاهم، وهذا من مصلحة البلد.. ».

«السياسة إذن هي من تسقط الحكومة ومن تبقيها».. حسب نصر الله.

ولكن هذه السياسة التي تتجاوز «الدواليب المحروقة»، كانت على الأقل في ما يخص حزب الله ممارسة مرتبطة بالسلاح. وهو سلاح استغل سياسيا على وجهين: الوجه الأول «سلاح المقاومة» الذي أمن لـ«الحزب» لفترة غير قصيرة الغطاء السياسي والمعنوي والمالي، والوجه الثاني «سلاح الهيمنة» الذي استخدمه «الحزب» فعليا في الداخل اللبناني لترويع المعارضة في مايو (أيار) عام 2008 بعدما جرى الاستقواء به إبان الاعتصام في قلب بيروت ومحاصرة سراي الحكومة والتهديد باقتحامها وشل البلاد لأكثر من سنة وأكثر في ديسمبر (كانون الأول) 2006.

الحقيقة أن «السياسة» في تعريف السيد نصر الله تشبه كثيرا «الاستقرار» الذي يريده بشار الأسد.

نحن نعرف هذه الحقيقة «من زمان».. فهل يستوعبها «أصدقاء سوريا» اليوم؟