مذكرات المستشار

TT

قرأت، مرة أخرى، «طلاق إمبراطورة» لكريم ثابت، المستشار الصحافي للملك فاروق، ويروي فيه كيف دبر ملك مصر، في أنانية وخبث ورعونة، طلاق شقيقته الأميرة فوزية من شاه إيران. صدرت جميع مذكرات كريم ثابت عن مرحلة فاروق بعد الثورة ووضع أكثرها في سجنه.

تساءلت بعد قراءة «طلاق إمبراطورة»: لماذا فعلت ذلك؟ هل لأنني أبحث عن حقائق تاريخية فعلا؟ لا. فأنا لا أثق بالذين يخونون الأمانات، حتى لو كانوا صادقين؟ هل اجتذبتني إذن التشويقات والتسالي والمسائل الشخصية؟ لست من هواتها ولا أعطيها وقتا. هل كان أسلوب كريم ثابت أقوى من عاداتي القديمة؟ لا أدري.

ولا أعرف كيف أحكم على الكتاب. أحيانا يروي لنا ما دار بين فاروق وشقيقته من حوار وكأنه كان يتنصت خلف المقعد. وأحيانا يقرأ في أفكار فاروق. ودائما فاروق رجل سيئ وصاحب مقالب، بل اسمعوا ما هو أيضا: لقد سرق الملابس والمجوهرات من حقائب شقيقته الإمبراطورة لدى وصولها من طهران، ثم وزع المسروقات على خليلاته. ورأتهن فوزية في تلك الملابس في الحفلات.

لماذا أرغم فاروق شقيقته على الطلاق من الشاه، وأخفى عنها رسائل ابنتهما إليها؟ لأن فاروق كان ينوي الطلاق من زوجته فريدة. ومن أجل أن يلهي الناس عن الحديث بالأمر، خطط لأن يعلن طلاق فوزية مع إعلان طلاقه في يوم واحد، فتنصرف الناس إلى التحدث عن طلاق الإمبراطورة والشاه. من الذي حاول حماية الإمبراطورة المسكينة هذا الوقت كله؟ طبعا حزرتم. ما هو إلا كريم ثابت. لكن محاولاته في إقناع فاروق بالعودة عن مخططه الشيطاني باءت بالفشل. وإذا كان ما ورد في شهادات المؤلف صحيحا، كله أو بعضه، أو متخيلا، كله أو بعضه، فإن الأشخاص الرئيسيين الثلاثة في الكتاب يستقطرون الشفقة: فوزية؛ لأنها كانت امرأة بلا إرادة، لا تجيد سوى الصمت. وفاروق؛ لأنه رجل لم يكن عابئا برد المؤامرات عن حكمه بل بتدبير المؤامرات الصغيرة في بيته ومحاسبة شقيقتيه على غلاء الفساتين (14 ألف جنيه في عام، لفوزية وحدها، عدا اللوازم الأخرى).

الثالث، هو الراحل كريم ثابت، الذي عينه فاروق أيضا عضوا في مجلس الشيوخ. فإما أن الباشا كان مستشارا صحافيا وسياسيا، وإما أنه كان مستشار موائد وفساتين وطلاقات وخطوبات سعيدة بعد الطلاق المرير. وأخيرا إما أنه كان صادقا وإما صاحب مخيلة.