إسرائيل: الطفل الذي دللته الأمم المتحدة

TT

قررت إسرائيل، الاثنين الماضي، الموافق 26 مارس (آذار)، قطع علاقاتها مع مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، بعد أسبوع من إعلان المجلس اعتزامه التحقيق في قضية المستوطنات الإسرائيلية.

وقال يغال بالمور، المتحدث باسم وزارة الخارجية: «اتخذت وزارة الخارجية قرارا بقطع علاقات العمل مع المؤسسة. لن تكون هناك علاقات عمل معهم أو محادثات أو تمرير أوراق أو زيارات أو تبادل للمعلومات أو تبادل للمشورة أو حضور اجتماعات. كل هذه أعمال، وهي لن تحدث».

ثانيا، دعا وزير الخارجية الإسرائيلي، أفيغدور ليبرمان، علنا إلى مقاطعة المجلس، الذي اعتمد قرارا يقضي بإجراء أول تحقيق في مدى انتهاك المستوطنات الإسرائيلية لحقوق الفلسطينيين.

وقال ليبرمان: «إن هذه الهيئة المنافقة لا علاقة لها بحقوق الإنسان. من الواضح أنها منحازة وغير موضوعية، وليس لدينا أي سبب يدفعنا للتعاون معها».

ثالثا، انتقد بنيامين نتنياهو المجلس بشدة، واصفا إياه «بالمنافق»، وقال إن هذه الهيئة «عليها أن تخجل من نفسها». هذه هي اللغة الخاصة التي تستعملها حكومة إسرائيل في مخاطبة الأمم المتحدة، وحينما ننظر إلى تاريخ الأمم المتحدة، نجد أن المنظمة (بصفتها أهم منظمة عالمية) وأميركا (التي تنصب نفسها مديرا لشؤون النظام العالمي) كانا يضعان نفسيهما في المعظم في خدمة إسرائيل.

وأقر المجلس، الذي يضم 47 عضوا، القرار بأغلبية 36 صوتا وامتناع 10 عن التصويت، وكانت الولايات المتحدة هي الدولة الوحيدة التي صوتت ضد القرار.

وقال نبيل شعث، المسؤول الكبير بالسلطة الفلسطينية، إنهم في سبيلهم لإعداد خرائط وصور للمستوطنات من أجل عرضها على المجلس، وأضاف أن إسرائيل لن تتمكن من منع التحقيقات بقطع علاقاتها مع المجلس، قائلا: «سنذهب إلى أي هيئة دولية يمكنها إجراء تحقيقات وفرض عقوبات».

ويرى معظم أعضاء المجتمع الدولي أن بناء المستوطنات على الأراضي المحتلة التي يريدها الفلسطينيون من أجل إقامة دولتهم عليها مستقبلا عائق رئيسي أمام عملية السلام، وهم يمارسون ضغوطا على إسرائيل من أجل تجميد عملية الاستيطان.

وقامت إسرائيل بنقل 500 ألف إسرائيلي إلى الضفة الغربية والقدس الشرقية منذ احتلالها تلك المناطق، بالإضافة إلى غزة، في حرب سنة 1967، وقامت إسرائيل سنة 2005 بسحب الجنود والمستوطنين من قطاع غزة، وإن كانت قد احتفظت بسيطرتها على جميع مداخل القطاع برا وبحرا وجوا.

ويقول الفلسطينيون إن استمرار التوسع الاستيطاني يقوض نتائج المفاوضات، بينما تقول إسرائيل، التي ترفض إيقاف بناء المستوطنات، إن مصير تلك المستوطنات والقضايا ذات الصلة بخصوص الحدود النهائية لدولة إسرائيلية ودولة فلسطينية يجب حسمها عن طريق المفاوضات، وليس المطالب.

وقد ظلت العلاقات بين إسرائيل والأمم المتحدة لعقود طويلة غير مستقرة، ويعود السبب الأكبر في ذلك إلى وجود أغلبية مؤيدة لفلسطين داخل الجمعية العامة، وإن كانت الولايات المتحدة قد استخدمت حق الفيتو عدة مرات لإيقاف أي قرارات تصدر ضد إسرائيل في مجلس الأمن. وقامت إسرائيل، الخريف الماضي، بإيقاف التمويل الضئيل الذي كانت تقدمه لمنظمة «اليونيسكو»، الهيئة الثقافية التابعة للأمم المتحدة، بعد اعترافها بعضوية فلسطين.

وتوترت العلاقات بين الأمم المتحدة وإسرائيل بشدة بعد تقرير أصدره القاضي ريتشارد غولدستون، من جنوب أفريقيا، بتكليف من الأمم المتحدة، بشأن هجوم إسرائيل العسكري على غزة منذ ثلاث سنوات من أجل إيقاف الهجمات الصاروخية التي تتعرض لها يوميا. وقد رفضت إسرائيل التعاون مع فريق غولدستون، وإن كانت لم تمنعه من الدخول.

ولإسرائيل المزيد والمزيد من الإنجازات التي حققتها في مواجهتها مع الأمم المتحدة. ولا يمكننا أن ننسى تصريح الأمين العام كوفي أنان ضد الهجوم الذي شنته إسرائيل على لبنان في حرب تموز، وقال فيه: «أشعر بصدمة وحزن عميق إزاء استهداف قوات الدفاع الإسرائيلية، عمدا على ما يبدو، لمركز مراقبة تابع للأمم المتحدة في جنوب لبنان، مما أدى إلى مقتل اثنين من المراقبين العسكريين، وإصابة اثنين بإصابات خطيرة. هذا الهجوم المدفعي والجوي المنسق على المركز، الموجود ببلدة الخيام منذ زمن بعيد والذي يحمل علامات تبين بوضوح تبعيته للأمم المتحدة، يأتي رغم التأكيدات الشخصية التي تلقيتها من رئيس الوزراء إيهود أولمرت بأن القصف الإسرائيلي لن يطال مواقع الأمم المتحدة. أدعو الحكومة الإسرائيلية إلى إجراء تحقيق كامل في هذا الحادث المقلق للغاية، وأطالب بضرورة منع أي هجوم آخر على مواقع وأفراد الأمم المتحدة».

ويتضمن الملف الإسرائيلي فصلا آخر، وهو امتلاك إسرائيل لأسلحة دمار شامل، حيث يرى كثيرون أن الدولة العبرية تمتلك أسلحة من هذا النوع، وأنها واحدة من أربعة بلدان لديها أسلحة نووية ومع ذلك غير معترف بها كدول نووية بموجب معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية. وليس سرا أن إسرائيل لديها أكثر من 500 رأس نووي، ورغم هذا، لم يصدر حتى الآن تقرير واحد من الوكالة الدولية للطاقة الذرية في هذا الشأن.

لماذا تلعب إسرائيل دور الطفل المدلل في العالم كما يقول رجب طيب أردوغان؟ لماذا تأثير جميع قرارات الأمم المتحدة ضد الاحتلال الإسرائيلي وبناء مستوطنات جديدة بهذا الضعف، مثل ذرات غبار وسط عاصفة عاتية؟ على سبيل المثال، بعد الاطلاع على جميع قرارات الأمم المتحدة بخصوص إسرائيل، يتبين أن هناك قائمة طويلة من قرارات الفيتو الأميركي لصالح إسرائيل، وإذا نظرنا إلى مرشحي الرئاسة في الانتخابات الأميركية المقبلة، سنجد منافسة حامية فيما بينهم على إثبات من سيدعم إسرائيل أكثر من الباقين!

لماذا تصر أميركا على دعمها المطلق لإسرائيل طوال الوقت؟ يبدو أن هذا هو صلب الكارثة التي نواجهها.

وكما نعلم، يعتبر بناء المستوطنات الإسرائيلية والتوسع فيها جوهر هوية دولة إسرائيل، والدعم المطلق من جانب أميركا هو الوجه الآخر من هذه العملة السيئة. وطالما ظللنا نعتقد أنه لن تكون هناك حياة أو تعامل تجاري دون استعمال هذه العملة، إذن فلن نشهد أي تغييرات في سلوك أميركا وإسرائيل.

ويعتبر حسني مبارك من أشد المؤمنين بهذه الاستراتيجية، حيث كان يرى أن البلدان الإسلامية ليس أمامها سوى إطاعة أميركا وإسرائيل.

ويتضمن كتاب محمد حسنين هيكل الجديد تفاصيل عن استراتيجية مبارك هذه، من خلال اجتماع عقده مع مبارك لست ساعات. وبحسب ما يتذكر من هذا الاجتماع مع مبارك، يبدو أن مسارات المشكلة كانت ولا تزال تكمن فينا نحن. وكما قال نزار قباني:

لم يدخل اليهود من حدودنا

وإنما تسربوا كالنمل من عيوبنا