4000 يوم من الحرب في أفغانستان

TT

في العام الحادي عشر من أطول نزاع مسلح في تاريخ الولايات المتحدة، بدأ الأمر يبدو وكأننا ربما نكون على شفا الحافة القصوى لنطاق زمني طبيعي لحرب أميركية. إن الجيش الأميركي الضخم القوي قادر نظريا على البقاء في حالة حرب لأجل غير محدد، ما دام يحصل على الموارد اللازمة ويتلقى الأوامر بالقيام بذلك. ولكن مع مرور 4 آلاف يوم على بدء الحرب في أفغانستان قبل الانتخابات المزمع إجراؤها في الخريف، فإن جمود الحرب في أفغانستان يبدو أنه يفتح المجال للمخاوف بشأن تكاليف إطالة بقائه والحاجة لإيجاد الوسيلة المثلى لإنهاء الحرب. لِمَ الآن؟

لقد دعم الإطار الزمني المتوقع للحروب التي نخوضها خلال الجيل الماضي سلسلة من التغييرات التي هونت من التوترات الديمقراطية البسيطة التي يمكن أن تحدثها حرب أميركية خارجية هنا في أرض الوطن. كانت التكلفة المالية للحرب على مدار سنوات تشطب من دفاتر الحسابات، ويتم التعامل معها باعتبارها علامة إيضاح مالية، «ميزانية طوارئ» ملحقة بالميزانية الحقيقية مثار الجدل. وكانت القوات المنتشرة مدعومة بموظفين في شركات خاصة، على نحو يخفي التكلفة المرتبطة بخدماتهم وحدود المساءلة عن أفعالهم، إضافة إلى عددهم وأعداد المصابين. على مدار سنوات، كانت صور إصابات الجيش الأميركي محجوبة عن الرأي العام.

قبل ثلاثة أشهر من أحداث 11 سبتمبر (أيلول)، مُنح الأميركيون تخفيضا ضريبيا بقيمة تريليونات الدولارات. وبعد الهجمات وغزو أفغانستان، لم يتم الإبقاء على التخفيضات فحسب، لكننا منحنا أنفسنا مجموعة أخرى ضخمة من التخفيضات الضريبية بعد أقل من عامين، بعد أسابيع من قيامنا بشحن قوات إلى حرب أخرى في العراق. وبينما تحملت أسر الضباط نشر القوات في المعارك طوال عدة سنوات على مدار العقد الماضي، فقد تحملنا، نحن المدنيين، شيئا أقرب إلى نقيض التضحية نيابة عنهم.

في مجال السياسة، تراجع الكونغرس، الذي استشاط غضبا واتخذ موقفا هجوميا بعد حرب فيتنام وأصر على استغلال حقه الدستوري في اتخاذ القرار عندما دخلت الدولة في حرب، عن موقفه، وتنازل تقريبا عن تلك السلطة للرئيس. يوجه تصديق الكونغرس، منذ عقد مضى، على شن حرب في أفغانستان، الجيش إلى تعقب هؤلاء الذين هاجمونا في 11 سبتمبر (أيلول). مع الأهمية التي ربما تمثلها مهمة الجيش الحالية في أفغانستان، فإن الجهود المبذولة منذ عدة أعوام، التي تكلفت مليارات الدولارات من أجل تدريب قوات الأمن الأفغانية تهدف، على أقصى تقدير، إلى جهود لحمايتنا من هجمات مستقبلية مماثلة لهجمات 11 سبتمبر، لا للثأر للهجمات السابقة.

«يفترض الدستور ما يظهره تاريخ الحكومات كلها»، مثلما كتب جيمس ماديسون أن «السلطة التنفيذية هي فرع السلطة الأكثر اهتماما بالحرب، والأكثر ميلا إليها. وقد عهدت بدورها بقضية الحرب بعناية مدروسة إلى الهيئة التشريعية». بالطبع من غير العملي بالنسبة للجنة مؤلفة من 535 عضوا اتخاذ قرارات أميركا بشأن الحرب، لكن من ناحية دستورية، كان من المفترض أن تكون تلك ميزة لا عيبا.

ربما يتوخى رئيس منح سلطة منفردة لاتخاذ قرار بشأن الحرب أقصى درجات الحذر في الجدال ويزن خياراته، لكن هذا الجدال على مستوى السلطة التنفيذية. يجري النقاش على مستوى مجلسي الشيوخ والنواب الأميركيين بوضوح وصراحة وبعين تجاه مشاعر البقية المتبقية منا، دائرة انتخابية تضم 600000 شخص في كل مرة.

ويمثل عدم وضوح الحرب الحديثة بالنسبة لعامة الأميركيين انحرافا عن المسار المحدد لنا من قبل الدستور. وقد سهل ذلك شن الحروب، ولكن، على نحو ربما يشكل أهمية أكبر بالنسبة لنا الآن، زاد من صعوبة إنهائها. لقد أسهم في جعل وضع كون أميركا في حالة حرب طبيعيا، لكن حتى عامة الشعب المتمرسين لهم حد، وربما يكون هذا الحد هو 4000 يوم.

في هذا الوقت من الدورة الانتخابية لعام 2004، توافق الرأي العام بشأن حرب العراق بقوة مع الانتماء الحزبي: بشكل عام، كان الديمقراطيون معارضين للحرب، بينما أيدها الجمهوريون. واليوم، لم يعد الرأي العام بشأن أفغانستان مرتبطا بدرجة كبيرة بالانتماء الحزبي. ما زال جون ماكين ومؤيدو استخدام القوة من المنتمين لحقبة جورج بوش الابن يقرعون طبول الحرب، لكن لا يبدو جميع الجمهوريين في الكونغرس، بل وحتى في الحملات الانتخابية الرئاسية، مهتمين بهذا الشأن.

إنها سخرية مبالغ فيها أن نقول إن حربا تبدأ في الوقت الذي يتم الإعلان عنها فيه، وتنتهي عندما يحقق أحد الطرفين الانتصار، لم «نعلن» الحرب خلال 70 عاما، ولا تنتهي النزاعات الواقعية عادة بكلمة «النهاية» والشعور التدريجي بالفخر. تنتهي الحروب من خلال اتفاق من نوع ما، حتى إن حدث (في بعض الحالات النادرة) أن استسلم أحد الطرفين. ويعتبر تحديد ما إذا كان يجب السعي للتوصل إلى اتفاق ووقت إتمام هذا الاتفاق، ومن ثم العودة للوطن، قرارا سياسيا وعسكريا في الوقت نفسه. ويتم اتخاذ القرارات السياسية في أميركا بوسائل ديمقراطية، من خلال حكومتنا، مع الوضع في الاعتبار الآراء العامة للشعب بشأن مصالحنا الوطنية. ربما لا يبقى الاستعداد على المستويين العام والسياسي لقبول تكاليف حرب أفغانستان من العام الأول حتى الحادي عشر (حتى الآن) للعامين الثاني عشر والثالث عشر وما بعد ذلك. وفي حالة حدوث ذلك، يجب عدم النظر إليه بوصفه ضعفا في الإرادة من جانب الشعب الأميركي، وإنما بوصفه تعبيرا عن إرادتنا.

* خدمة «واشنطن بوست»