سبحان مغير الإخوان

TT

اعتبرت حركة الإخوان المصرية أن من الشطارة ترشيح شاطرها القوي خيرت، الذي أصبح، منذ اعتقاله أيام جمال عبد الناصر، أحد أبرز رموزها وأكثر كوادرها شطارة في إدارة معارضه التجارية ومعارضته السياسية، ولهذا دفعت به لخوض الانتخابات الرئاسية لأول مرة منذ إنشاء الحركة على يد مؤسسها حسن البنا، ولأن خيرت سُجن عدة مرات، آخرها في عهد مبارك، فقد وضعت حركة الإخوان ملصقا دعائيا يقول: «يوسف هذا العصر خرج من السجن ليحكم مصر»، والمعروف تاريخيا أن يوسف، عليه السلام، لم يخرج من السجن ليحكم مصر، بل خرج من السجن ليكون وزيرا، وحتى لو اعتبرت حركة الإخوان أن يوسفها «حفيظ عليم» بحكم خبرته الاقتصادية وشطارته التجارية، فقد كان الأجدر بالحركة أن تجعله على خزائن الأرض، لا على خزانها السياسي القابل للانفجار في أي لحظة.

الشطارة الحقيقية كانت في قرار الجماعة الأول بعدم خوض انتخابات رئاسية وليس ترشيح الشاطر، ولقد أذهلت المراقبين بقرارها القديم كونه يشي بنضج سياسي وإدراك لتعقيدات المرحلة التي يصعب فيها على القوى الدولية والإقليمية، ومعها المجلس العسكري، أن تستوعب وتتحمل «سيطرة إخوانية» مطلقة على السلطتين التشريعية والرئاسية في أكبر بلد عربي مصدر (بتشديد الدال وكسرها) للتأثيرات السياسية والآيديولوجية.

لم تستطع أكبر جماعة إسلامية أن تكبح «هواها» السياسي وأن تكتفي من غنيمتها السياسية بالبرلمان، وعقد مجلس شورى الجماعة، السبت الماضي، اجتماعات مطولة تمخضت عن هذا القرار الذي لا يتفاءل كثير من المراقبين بآثاره وتبعاته، واللافت أن حركة النهضة التونسية كانت، وهي الأقل عددا وتأثيرا وخبرة، أكثر في النضج السياسي من الحركة الأم التي خرجت من رحمها، مع أن منطق التجربة والمرجعية التاريخية يفرض العكس.

وأخفقت حركة الإخوان تارة أخرى في كبح هواها الحزبي عندما عاقبت عبد المنعم أبو الفتوح، أحد أبرز رموزها السياسية، ذا الكاريزما العالية، بفصله من الجماعة، فقط لأنه قرر ترشيح نفسه لمنصب رئاسة الجمهورية، وهذا سيكون مقبولا في العرف الحزبي، لكن المفاجأة أن تخالفه إلى ما نهته عنه وترشح الشاطر، ولهذا قال الصديق الدكتور سعد عطية الغامدي في تغريدة تويترية: «كان من الحكمة أن يتبنى الإخوان أبو الفتوح، دون أن يقحموا أنفسهم في شأن الرئاسة، فإن نجح فهو ابنهم، وإن فشل فقد فصلوه».

إذن من الواضح الآن أن حركة الإخوان وضعت نفسها، بترشيح الشاطر، في مأزق سياسي؛ فأبو الفتوح له تيار عريض من الشعب المصري يدعم ترشيحه، بل إن شريحة من الفئة الشبابية في حركة الإخوان تؤيده، وبعض كوادرها الشابة انشقت بسبب حرمانهم من ترشيحه؛ فالنتيجة المنطقية ضياع الأصوات بين مرشحين قويين يكادان يحملان النسبة نفسها في احتمالات الفوز، هذا ناهيك عن «الهدر الأصواتي» الذي سيسببه للإخوان منافس إسلامي آخر، هو السلفي صلاح أبو إسماعيل الذي سيجرف معه أصواتا كثيرة، بالمختصر المفيد: أنَّى قلبت القرار الإخواني بترشيح الشاطر ستجد أنه يفتقر إلى نضج سياسي ورؤية شمولية لتعقيدات الأوضاع السياسية العالمية والإقليمية والمحلية، وكان بإمكانهم أن «يتهنوا» بلقمتهم البرلمانية اللذيذة بدلا من أن يلحقوها بلقمة رئاسية كبيرة «ومن كبر لقمته السياسية غص».

[email protected]