ضرورات القمع المهني!

TT

كلما ألتقي بصديقي الدكتور وسام قندلا، أجده يترحم على روح والده ثم يروي لي كيف نصحه بدراسة الطب. قال إنه كانت نيته أن يدرس القانون ولكن والده حذره من ذلك. قال له نحن ناس مسيحيون. ومثلما قام المسلمون والقوميون في العراق باضطهاد اليهود ثم تهجيرهم كليا من البلد، ربما يأتي يوم يفعلون مثله بالمسيحيين. فماذا ستفعل بشهادة الحقوق، الشريعة الإسلامية وقانون المدني العراقي، إذا قدر عليك واضطررت للهجرة للغرب؟ كيف ستجد لنفسك عملا وتكسب قوت يومك في بريطانيا أو أميركا وهذه كل مؤهلاتك؟ ادرس يا ولدي مهنة الطب أو الهندسة لتستطيع أن تعمل في أي بلد غربي.

لم يكن صديقي وسام متمردا مثلي، فسمع كلام والده ودرس الطب. وهذا ما حصل. ترك العراق واشتغل طبيبا في لندن. وفعل مثله بقية إخوته ورحلوا إلى أميركا بعد ما ضاقت الأرض بنصارى العراق في السنوات الأخيرة.

هذه في الواقع المشكلة العسيرة التي أخذت تهدد بانقراض الشريحة المهنية في عالمنا العربي. فهذه الشريحة من أطباء ومهندسين وفنانين وفنيين تميل إلى العلمانية وتتوق للحرية. نساؤهم سافرات ويسقن سياراتهن ويركبن دراجاتهن للمراقص والمسابح ويلبسن «المني جيب» ويستمعن لموسيقى البوب. كانوا في السابق يقودون النضال والمظاهرات ويضغطون على الحكومات طلبا للإصلاح والتحرر. ولكن يظهر أنهم تعبوا من هذه المهمة أو يئسوا منها الآن بعد وقوع الحكم بيد أحزاب الإسلام السياسي. تعلموا شيئا من الإسلام فقالوا «لا يكلف الله نفسا إلا وسعها». لماذا نكلف أنفسنا بهذا العناء ومحاولة إصلاح من لا يحب أن يصطلح، بينما ترحب الدول الغربية بمجيئنا؟ وبدأت هجرة المهنيين للغرب. كلما دخلت مستشفى في لندن وجدت نفسي يعالجني طبيب عراقي. وكلما احتجت لمساعدة طبية في بلد عربي وجدت طبيبا من ماليزيا أو باكستان يعالجني.

وهذا هو الحل. لا فائدة من تدريس أولادنا هذه المهن الاختصاصية.. فسيرحلون للغرب. الأفضل والأرخص أن نغلق هذه الكليات، الطب والتمريض والهندسة والتكنولوجيا ونوفر لأنفسنا تكاليفها ونمنع شبابنا من دراسة هذه المهن، بل ونلقي القبض على كل من نجد بيده كتابا طبيا أو علميا أو شيئا باللغة الإنجليزية ونزجه في السجن بتهمة ترويج مبادئ هدامة والتعامل مع الأجنبي. ثم نأتي بمن نحتاجه لهذه الميادين من بنغلاديش وإندونيسيا وجزر واق واق.. يقومون لنا بهذه المهمات لقاء رواتب معقولة. هذا أسلوب عملي ورخيص ولا يسبب لنا أي مشاكل أو وجع راس. فهؤلاء الأجانب لا يتدخلون في سياسة حكوماتنا أو يطالبون بالإصلاحات أو يقومون بمظاهرات أو إجراء انتخابات أو يشكلون نقابات أو القيام بأي شيء. كل ما علينا أن نفعله هو أن نحصر عقود عملهم بسنتين أو ثلاث لا أكثر ثم نستبدل بهم وجبة أخرى. فبقاؤهم لمدة طويلة بيننا يجعلهم يتعلمون منا الرشوة والفساد والكذب والكسل وعدم أداء الواجب. لهذا ينبغي ترحيلهم قبل أن يفسدوا.