كيف يمكن أن تستفيد دول مجلس التعاون الخليجي من الخبرة البريطانية؟

TT

إن العلاقات بين دول مجلس التعاون الخليجي وبريطانيا العظمى آخذة في النمو، وتملك الشركات والخبرات البريطانية الكثير كي تقدمه للمنطقة، كما أن المنطقة تملك الكثير لتقدمه إلى بريطانيا.

بالنسبة لكثير من رجال الأعمال، يتمثل أحد الأسئلة في: «كيف نصل إلى الخبرات البريطانية وكيف نعثر على الشركاء المحتملين المناسبين في بريطانيا؟». وسوف أقدم اقتراحا في موضع لاحق من هذا المقال حول ذلك التساؤل الهام.

لقد جذب موضوع بارز آخر اهتمامي هذا الأسبوع، فقد كشفت دراسة جديدة أجرتها أمانة التمويل الإسلامي بمؤسسة «ذا سيتي يو كيه» عن أن الأصول المالية الإسلامية على مستوى العالم قد وصلت إلى قيمة تقدر بـ1.3 تريليون دولار أميركي في عام 2011، ويمثل هذا ارتفاعا نسبته 150 في المائة على مدار السنوات الخمس الماضية. وقد استمرت الصناعة في التوسع على الرغم من حالة الاضطراب السياسي التي سادت بعض الدول، وليس فقط في أسواقها الأساسية بالشرق الأوسط وماليزيا، وإنما أيضا في آسيا.

سجلت الصناديق الإسلامية قيمة مرتفعة جديدة بلغت 58 مليار دولار أميركي في عام 2010، مع اقتراب المجمع النقدي المتاح من عشرة أضعاف قيمته، لتصل قيمته إلى 500 مليار دولار. وتظل المنافسة محتدمة، مع انخفاض متوسط رسوم الإدارة بنسبة 0.5 في المائة على مستوى العالم، من 1.5 في المائة في عام 2006 إلى 1.0 في المائة في عام 2011.

مثلما ذكرت في مقالات سابقة، ما زالت بريطانيا محتفظة بموقعها كأبرز دولة غربية تزود بالتمويل الإسلامي، بإجمالي أصول تبلغ قيمتها 19 مليار دولار أميركي. استفادت بريطانيا من سوق مزدهرة عالميا في عام 2011، حيث ارتفعت قيمة الأصول المطروحة بنسبة 60 في المائة لتصل إلى 84 مليار دولار أميركي. وقد انعكس هذا على عشرة إدراجات جديدة في أسواق بورصة لندن في عام 2011، وعلى إدراجين في أوائل 2012. هناك 37 سوقا تبلغ قيمتها مجتمعة 20 مليار دولار مدرجة حاليا في أسواق بورصة لندن، وإضافة إلى ذلك تم إدراج سبعة صناديق استثمار متداولة وسلعتين قابلتين للتداول في تلك الأسواق.

يدعم البنوك وإصدارات الأصول والسلع القابلة للتداول في البورصة في بريطانيا بنية تحتية قوية من الدعم المتخصص للصفقات المالية الإسلامية. وبين هذا توجد أكثر من 25 مؤسسة قانونية رئيسية، ولدى كل شركة من كبرى شركات الخدمات المتخصصة تمويل إسلامي ضخم وفرق محامين. وإضافة إلى ذلك تسهم بريطانيا بنسبة كبيرة في تطوير التعليم المالي الإسلامي والمهارات مع أربع مؤسسات متخصصة وعشر جامعات وكليات إدارة أعمال تقدم مؤهلات.

والآن نعود إلى السؤال المتعلق بكيفية عثور الناس في الشرق الأوسط على شركاء تجاريين محتملين في المملكة المتحدة، وخصوصا هؤلاء الذين يرغبون في تأسيس علاقات تجارية مع مشروعات صغيرة ومتوسطة، والشركات التي تستخدم أحدث الوسائل التكنولوجية، وشركات الخدمات المتخصصة التي تسعى أيضا إلى توسيع نطاق أنشطتها في المنطقة.

هناك أقسام تجارية في السفارات في لندن وكذلك في السفارات البريطانية في كل دولة، وهناك مجموعات تجارية بريطانية محلية في بعض الدول، وثمة مؤسسات مساعدة مثل غرفة التجارة العربية البريطانية، وسوف يتبادل بعض الناس الأحاديث مع أصدقائهم. كل هذه تعتبر وسائل ممتازة لاكتساب قدر من المعلومات الأولية. وعلى الرغم من ذلك فإن كل هذه المعلومات ستكون قاصرة على ما يعلمه الأفراد.

إن الوصول إلى فهم أكثر اكتمالا لقدرات الشركات البريطانية هو الحل، ويتطلب هذا مؤسسة تمثل الشركات البريطانية النشطة والتي تعمل على المستوى الدولي. أحيانا يفضل رجال الأعمال أن يكون لديهم طريق يبتعد قليلا عن الطابع الرسمي لجمع معلومات عن المؤسسات البريطانية، ويمكنني أن أؤيد هذا الأسلوب لأن لدي طريقة تفكير مشابهة عن عملي عند دراسة أنشطة أخرى في المنطقة.

بإمكاني اقتراح إحدى الوسائل الجيدة جدا للوصول إلى قدر من الفهم لمؤسسات تقديم الخدمات المتخصصة في بريطانيا، والتي تتطلع لإيجاد شركاء في الشرق الأوسط، ألا وهي اللجوء إلى مؤسسات مثل «بريتيش إكسبرتايز». بالطبع ثمة كثير من المؤسسات يمثل أعضاؤها قطاعات صناعة مختلفة في بريطانيا، ولكني أجد «بريتيش إكسبرتايز» نقطة بداية جيدة. قد لا أكون حياديا تماما في ذلك الاختيار، حيث شغلت منصب رئيس مجلس إدارتها منذ عامين.

تعتبر مؤسسة «بريتيش إكسبرتايز» مؤسسة القطاع الخاص البريطانية الرائدة بين الشركات البريطانية التي تقدم خدمات متخصصة على المستوى الدولي. وهي تقوم بترتيب زيارة عدد كبير من الزوار الداخليين واستضافتهم، كما تدير أيضا وفودا بالخارج. وتقدم مؤسسة «بريتيش إكسبرتايز» أعضاءها للاتصالات البريطانية والدولية الرئيسية، وتحدد الشركاء والعملاء المحتملين، وتوفر معلومات عن السوق والتدريب. وتمارس مؤسسة «بريتيش إكسبرتايز» ضغوطا على الحكومة البريطانية ومؤسسات التمويل البريطانية ومؤسسات أخرى بما يصب في صالح أعضائها، وإضافة إلى ذلك فإنها قادرة على مساعدة الوفود الداخلية في مقابلة الشركات البريطانية المناسبة من خلال ترتيب مقابلات بمكاتبها الرئيسية في لندن.

ونتيجة لعملي محكما في حفل جوائز «سيتي سكيب» في الماضي القريب، أدرك الحماسة التي تهيمن على المنطقة للفوز بتلك الجوائز. تثمن جوائز «بريتيش إكسبرتايز إنترناشيونال» التميز في التصميم والتخطيط والإدارة وإقامة مشروعات بالخارج، وهي تدعم النجاح المميز المستمر للخدمات المتخصصة البريطانية بشتى أنحاء العالم. وفي حالة ما إذا كان أي من أعضاء مؤسسة «بريتيش إكسبرتايز» من المستشارين أو المقاولين مشاركا في مشروع، فقد يكون مؤهلا للتقدم للحصول على هذه الجوائز السنوية. ويزداد أثر هذه الجوائز كل عام، وتنظر مؤسسة «بريتيش إكسبرتايز» إلى الجوائز بوصفها فرصة ممتازة لإظهار تنوع بريطانيا. ويرأس لجنة التحكيم رئيس مؤسسة «بريتيش إكسبرتايز»، الدوق هولستر، وهو مهندس معماري بارع. وتحتفظ مؤسسة «بريتيش إكسبرتايز» بعلاقات وثيقة بهيئة التجارة والاستثمار البريطانية التي تساعد الشركات الكائنة في بريطانيا في تحقيق النجاح في الأسواق الدولية، وتدعم الشركات الأجنبية في جلب استثمارات عالية الجودة للاقتصاد البريطاني.

في هذا الأسبوع من المقرر أن يلتقي أعضاء «بريتيش إكسبرتايز» بأمين العاصمة المقدسة، الدكتور أسامة البار، ورئيس قسم الاستثمار ببلدية مكة المكرمة، الدكتور عبد الله سراج الدين، بهيئة التجارة والاستثمار البريطانية.

والآن سأعود إلى موضوعي المفضل، الشراكة بين القطاعين العام والخاص. لقد وُجّهت جهود أكثر جدية لفهم المنافع وراء تأسيس برامج للشراكة بين القطاعين العام والخاص في ما وراء توصيل الخدمات وتحسين مستوى جودتها من جانب القطاع الخاص مقابل القطاع العام. وهذا موضوع استمتعت بمناقشته أثناء زيارتي للهيئة العامة السعودية للاستثمار، كجزء من وفد الشراكة بين القطاعين العام والخاص البريطاني إلى المملكة المتحدة. وثمة حاجة لبذل مزيد من الجهود من أجل توفير سبل يمكن أن توفر من خلالها الشراكة بين القطاعين العام والخاص وظائف جديدة في القطاع الخاص في منطقة يتم فيها توظيف عدد ضخم من السكان في القطاع العام. وهذا مجال تشارك فيه الهيئة العامة السعودية للاستثمار الاهتمام مع المملكة المتحدة.

وبينما يشكل عامل الأداء الأمثل على المستوى الدولي أهمية، باستطاعة الحكومات المشاركة بشكل مفيد مع مؤسسات القطاع الخاص المحلية واستغلالها في تقديم الخدمات في إطار برنامج للشراكة بين القطاعين العام والخاص. وعلى عكس التوفير التقليدي للخدمات من قبل الحكومة، تتطلب الشراكة بين القطاعين العام والخاص فهماً أفضل للقضايا وثيقة الصلة بصور التفاعل بين مؤسسات القطاع الخاص المحلية والحكومة، ولا سيما التسهيلات والجوانب التنظيمية والرقابية والتوفير المباشر للخدمات وأنماط التفاعل.

إن مؤسسات القطاع الخاص المحلية تعمل في نطاق واسع من الخدمات، وينظر إليها على أنها استجابة مرتبطة بالمشروعات التجارية من جانب المجتمع تجاه تطوير وتوفير خدمات جديدة. وينبغي أن يكون النظام الرقابي تمكينيا وأن لا يهدد نمونا، ويعني هذا أن الحكومة تحتاج إلى إشراك القطاع الخاص المحلي في حوار بشأن القضايا السياسية.

على مدار السنوات العشرين الماضية حققت بريطانيا تقدما هائلا في دعم المشروعات الصغيرة والمتوسطة والمؤسسات الأكبر كنتيجة لبرنامج الشراكة بين القطاعين العام والخاص، وكثير منها أعضاء في مؤسسة «بريتيش إكسبرتايز».

في المقالات القادمة سوف نعود لتناول مفهوم الإطار الاستشاري لتنفيذ اتفاق لتوفير الخدمات يقوم على الشراكة بين القطاعين العام والخاص، بين الحكومة ومؤسسات القطاع الخاص المحلية، بصورة تبعد برنامج العمل عن الحوار السياسي، متجهة به إلى حوار «حقيقي».

* أستاذ زائر بكلية إدارة الأعمال بجامعة لندن متروبوليتان ورئيس مجلس إدارة «ألترا كابيتال».