ثورة السوريين ومخاوف الإسرائيليين

TT

لم يخطئ الرئيس بشار الأسد عندما أرسل ابن خاله، وأقرب الناس إليه، إلى أميركا في شهر مايو (أيار) العام الماضي، أي بعد شهرين من اندلاع الثورة السورية، ليعترف صراحة للجارة إسرائيل أن أمنها سيتعرض للخطر إن تعرض نظام الأسد للسقوط. رامي مخلوف قال كل هذا وزاد عليه، ونشرت تصريحاته المثيرة حينها صحيفة «نيويورك تايمز».

الأسد الصغير يعرف أن سوريا هي الدولة الثانية، بعد مصر، من حيث الترتيب الأمني في الاعتبارات الإسرائيلية للدول التي تحاذيها، ويعرف جيدا أن أي علاقة مع إسرائيل وفق شروطها ستمنحه غطاء ودعما سياسيا لا يستهان بهما، فالأميركيون المتحمسون لمحاصرة إيران يعاملون الثورة السورية بقليل من الدعم رغم أنها ستقدم لهم أعظم خدمة بإسقاط أهم حلفاء عدوتهم إيران.

وعند مراجعة المواقف والنشاط الدولي للأشهر الاثني عشر الماضية نجد أن القليل تطور لصالح الثورة مع أنها داخليا اتسعت وتعمقت، واستمرت رغم القتل المباشر للمتظاهرين، والاضطهاد، وتقطيع الأحياء، وتجويع المدن والأرياف المنتفضة، ورغم أنه مر على الشعب السوري شتاء قارس واجهه بقليل من وقود التدفئة، وبانقطاع المواد الغذائية، وخسر الناس نحو نصف مداخيلهم المالية بعد تدهور سعر العملة من 47 ليرة إلى 100 ليرة للدولار، ثم تحسنت قبل أسبوعين بفضل تدخل البنك المركزي.

كان النظام يتأرجح في الخريف الماضي حتى جاءه المدد المادي والعسكري والاقتصادي من إيران والعراق وروسيا. ورغم انغماس إيران في حرب سوريا وتدخل ميليشيات حزب الله إلى جانب قوات النظام، ورغم تحريك الجيش السوري من مخابئه، ورغم الأسلحة المتدفقة بكرم على النظام، فإن إسرائيل لم تبد اعتراضا أو تحذيرا، كما كانت تفعل في الماضي بحجة تهديد أمنها وموازين القوى.

سوريا تعتبر في الخريطة الجغرافية السياسية للشرق الأوسط منطقة أمن أساسية لإسرائيل مثلما أنها الذراع الأطول لإيران، ورغم هذا التناقض فإن القوتين الإقليميتين المتصارعتين، إيران وإسرائيل، تعتقدان أن نظام الأسد ضمانة أساسية لأمن البلدين معا. وأتذكر أنني في حفل الجامعة الأميركية في كردستان قبل ثلاث سنوات، الذي حضره حشد من الدبلوماسيين والأكاديميين، دخلنا في جدل حول الدور السوري كنقطة تجمع لتنظيمات مسلحة مثل «القاعدة» والانطلاق جنوبا نحو العراق. ورغم هذا الدور الذي صار واضحا للعراقيين والأميركيين بشكل متزايد في الأخير فإن واشنطن كانت تكتفي بدعوة النظام السوري للامتناع عن دعم الجماعات الإرهابية والتعاون لوقف التدخل في الشؤون العراقية. وفي نقاش مع أحد السفراء الأميركيين الذي كان حاضرا، وحاول تبرير الموقف الأميركي الضعيف حيال سوريا، أخيرا وضع النقاط على الحروف قائلا: إن سوريا تمثل منطقة أمن إسرائيلية، أي أن الولايات المتحدة تراعي المخاطر الأمنية على إسرائيل أيضا في التعامل مع المشكل السوري. لهذا صمت الأميركيون على أفعال المخابرات السورية التي كانت تقود عمليات استقبال وإرسال مجندي «القاعدة» إلى العراق، إلا من بضع عمليات عسكرية قامت بها القوات الأميركية على الحدود هاجمت خلالها القوات السورية. والنتيجة أن العنف في العراق تراجع بعد التصعيد العسكري الأميركي المتأخر ضد سوريا.

لا أود أن أبالغ وأدعي أن النظام السوري كان عميلا لإسرائيل، كما يحلو للغاضبين أن يقولوا الآن، بل هو نظام يعرف حدود المخاطرة ولا يتجاوزها، وهذا ما يهم إسرائيل، ونظام الأسد يهدد إسرائيل الآن بأن سقوطه سيأتي بجماعات ستكون معادية له، وسينتهي، بدخول المعارضة دمشق، كل نظام التوازن الذي قام منذ اتفاق فك الارتباط مع إسرائيل في منتصف عام 1974، والذي بعده لم تطلق سوريا رصاصة واحدة من الجولان على إسرائيل، واكتفت دمشق بعده بالدعاية ودعم محدود للجماعات المسلحة في لبنان، والحقيقة أن دمشق أيضا لعبت دور الحامي لإسرائيل بسيطرتها على الجماعات الفلسطينية واللبنانية.

لهذا أعتقد أن الإسرائيليين يتفقون مع الإيرانيين هذه المرة على حماية نظام الأسد، ولا بد أنهم سعوا لإقناع أصدقائهم في الغرب، وروسيا أيضا، بترك النظام يحارب معركته ضد المحتجين، وأن يمنح فرصة للبقاء. وإسرائيل تأمل في بقاء نظام الأسد، لأنه يبدو أفضل نظام في المنطقة يمكن أن يخدم مصالحها. لكن في النهاية الذي سيحسم المعركة ليس الموقف الإسرائيلي أو توازنات المنطقة الخارجية، بل عزيمة الشعب السوري الذي لم يكل رغم كل ما يواجهه، والصورة تبدو واضحة أن النظام سيسقط.

[email protected]