الكلاب الديمقراطية

TT

قد يخطر للقارئ أنني أقصد بالكلاب الديمقراطية الزعماء غير الأفاضل الذين يركبون قطار الديمقراطية ليوصلهم لمآربهم الشخصية. كلا.. ما أقصده هو الكلاب الحقيقية المهذبة التي تخوض في الغرب مع أصحابها المعارك البرلمانية وتلعب دورها في حياتهم السياسية. إننا نحتقر الكلاب ونتنجس منها ولكنهم في الغرب يجلونها ويجلون معها أصحابها. فهناك في معاركهم الانتخابية يعتمدون على ما نسميه الوسائل الإيضاحية. في أميركا الجنوبية يعتمدون على الغانيات الشقراوات اللاتي يقفن بجانبهم ويظهرن في تصاويرهم وملصقاتهم الدعائية. ففي الأرجنتين لا يتوقع الجمهور أي خير من المرشح الذي لا تحيط به الغانيات. أما في الشمال فالكلب هو من يسحر الناخبين. هناك سجل طويل للكلاب السياسية التي اشتهرت في الغرب أكثر من أصحابها.

من هذه الفئة الكلب أوفا الذي صاحب الوزير الأعمى البريطاني ديفيد بلانكيت طوال حياته السياسية. كان يقود معالي الوزير إلى مكانه في البرلمان البريطاني. وهو ما كان يحسده عليه غالبية النواب الذين أعمى الله بصائرهم وحرمهم من حق دخول البرلمان بصحبة كلب عتيد.

كان أوفا يصاحب الوزير الضرير في رحله وترحاله. فأصبح موضع حسد بقية النواب لما عرف عنه من ذكاء وإحساس مرهف. ومن المعروف أن الناخبين صوتوا للمستر بلانكيت لا إعجابا به وإنما حبا في كلبه هذا. حتى إن بعض الناخبين تمنوا لو استطاعوا التصويت لهذا الكلب، ولكن لم يجدوا سابقة دستورية لانتخاب كلب للبرلمان.

وعلى كل، فإن الكلب أوفا تقبل هذا الظلم والتمييز العنصري برحابة صدر. ولم يعبأ كثيرا أو يسعى لقلب النظام والمطالبة بانتخابات جديدة تعترف بحقوق الكلاب. كان واقعيا وتعايش مع الوضع القائم. وواظب على المجيء مع صاحبه الضرير والجلوس بين قدميه والاستماع بكل صبر للمناقشات البرلمانية دون أن ينام كما يحصل لكثير من نوابنا. لاحظ الصحافيون أنه كان يبرم أذنيه ويقف على قدميه ويهز ذيله كلما سمع رئيسة الوزراء، مارغريت ثاتشر، تتكلم. فقد كان يعرف، كالكثير من الكلاب، أن كل شيء يتوقف على ما تفعله وتقرره المرأة. فهي التي تعطيه بسكويته أو عظمة يلوكها.

قيل في سيرة حياته السياسية إنه أخذ يمل من المهاترات الحزبية العقيمة والجلوس طويلا في قاعة المجلس، مدركا حق الإدراك أن كل شيء سيبقى كما هو. فلا أحد من الأحزاب يستطيع أن يصنع نوعا جديدا طيبا من العظام. تأتي حكومة وتذهب حكومة والعظمة تبقى كما هي. تحتاج لساعات لكسرها وأكلها. والأغنياء هم الذين يلقون بها إليه، والآخرون لا يفعلون غير مسح شعره. لاحظت الصحافة البريطانية أنه ما إن سمع بما قاله وزير الخزانة عن الأزمة المالية حتى أخذ الكلب أوفا بالتجشؤ العنيف ثم تقيأ على سجاد القاعة في مجلس العموم. وكان عملا فريدا بادر كاتب ضبط البرلمان لتسجيله.