إطالة اللسان

TT

كنت أعتقد أن تعبير «إطالة اللسان» هو وصف يقتصر استخدامه على جلسات الثرثرة في مجتمعاتنا أو حين يقرع أهل أولادهم إذا هم تجاوزوا أصول التخاطب فيحذرونهم من مغبة تكرار الأمر.

أقر بقصور معرفتي.

لقد اكتشفت خلال الأيام الأخيرة أن «طول اللسان» هو إدانة قانونية رسمية يزجّ بالمتهمين بها في السجون في أكثر من مكان في بلادنا. مثلا، السلطات الفلسطينية في رام الله اعتقلت صحافية بتهمة «إطالة اللسان ونشر أخبار كاذبة والتحريض على الوطنية وكتابة تعليقات تدعو إلى حلّ السلطة». هذه التهمة شملت مدونين وناشطين «أطالوا لسانهم» من خلال تعليقات وانتقادات للسلطة على صفحاتهم في مواقع التواصل الاجتماعي.

تزامن مع الإدانة الفلسطينية حكم مماثل بادرت إليه السلطات الأردنية التي اتهمت 13 شخصا بـ«إطالة اللسان» أيضا لاستخدامهم تعبيرات نقدية وربما ساخرة خلال اعتصام في إحدى محافظات الأردن.

إذن، إطالة اللسان هذه هي تهمة موجودة فعلا.

والحقيقة فإن إطالة اللسان بالمعنى القانوني المستخدم في الحالتين الفلسطينية والأردنية هي التجرؤ على انتقاد السلطة.

إنه لمن مرارات الحال الذي نعيشه في زمن الثورات في العالم العربي استمرار تقويض حق أساسي من حقوق الإنسان هو حرية التعبير من دون قيد أو شرط.

في سوريا، يأخذ شكل مواجهة السلطة للمواطنين الذين يعبرون عن رأيهم حد القتل والتمثيل واليوم دخلت ممارسات جديدة وهي حرق منازل المعارضين والناشطين وتدمير ممتلكاتهم.. في الدول العربية الأخرى التي لم تعصف بها الثورات لكنها ليست بمنأى عنها نجد أن عسف السلطة لا يزال متواصلا ويأخذ أشكالا مختلفة لا تقل خطورة عن الأشكال التي اعتمدت العنف ومنها اللجوء إلى الاعتقال والتعذيب تحت مظلة القضاء، فمن مفارقات البؤس المدني الرائج في المنطقة العربية أن يتولى قانونيون تقويض حق حرية التعبير وليس الذود عنه.

كل هؤلاء الذين زجّ بهم في السجون في الحالات الآنفة الذكر هم عمليا «أطالوا لسانهم» وتجرأوا على نقد السلطة.

في غزة، بكى آلاف الفلسطينيين وهم يشيعون ثلاثة أطفال ماتوا حرقا بسبب شمعة أضيئت في منزلهم بسبب انقطاع التيار الكهربائي. فهل يمكن أن نجد مستقبلا من يحاكم فلسطينيين كثرا بتهمة «إطالة اللسان» إذا هم انتقدوا حكومتي غزة والضفة بعد أن تسببت المناكفات السياسية بينهما في تأخير حل أزمة الوقود والكهرباء وبالتالي وقوع مأساة من نوع مأساة الأطفال الثلاثة ومآسٍ أخرى عديدة عانت منها المستشفيات الفلسطينية بسبب انقطاع الكهرباء.

أليست الإصلاحات المتعثرة في الأردن سببا للتعبير والانتقاد وبالتالي «إطالة اللسان».

في العهد الجديد للديمقراطية العربية في حال نشوئها فعلا، تكتسب المعلومات أهمية قصوى في نشر وعي جديد وجعل هذا الوعي نتاج مؤسسات وليس فعلا طارئا. وإذا لم يتمكن الإعلام بكل تفرعاته الحديثة من ممارسة هذا الدور فلن يترسخ مبدأ المحاسبة وسنبقى نحتار فيما نفعل في ألسنتنا إذا شعرنا بحاجة ماسة في إطالتها.

diana@ asharqalawsat.com