وهم الولاية الثانية

TT

قلما وجدت دولة «ديمقراطية» مغرمة بصناديق الاقتراع إلى حد الهوس، كالولايات المتحدة: انتخابات منتصف الولاية كل سنتين، وانتخابات رئاسة الجمهورية كل أربع سنوات.. وبين هذه وتلك انتخابات لحكام الولايات كل سنتين أيضا. قدرُ الأميركيين أن يعيشوا مواسم انتخابية متلاحقة، إن لم تكن دائمة، وعلى كل المستويات التشريعية والتنفيذية.

من الديمقراطية ما قتل.. مع ذلك تبقى الانتخابات الرئاسية الحدث الأهم أو - حسب تعبير الإعلام اللبناني المفضل – «الاستحقاق» الأبرز. سبعة أشهر تفصل هذا «الاستحقاق» عن موعده الدستوري، لكن طبوله التي تُقرع منذ الآن، في الكثير من الولايات الأميركية، توحي وكأن موسمه افتتح باكرا. وبالفعل بدأ بعض المعلقين بالحديث عن فرص عودة الرئيس باراك أوباما، ظافرا مظفرا، إلى البيت الأبيض، وآخرون عن مفاجآت قد تجعله رئيس الولاية الواحدة فقط.

وبصرف النظر عن فرص فوزه بولاية ثانية، يبدو لافتا أن بعض المحللين السياسيين العرب ما زالوا يؤمنون بنظرية راجت في الستينات والسبعينات تزعم أن أي رئيس أميركي يعاد انتخابه يكون، في ولايته الثانية، أقل تأثرا بضغوط اللوبي الصهيوني النافذ بداعي انتفاء حاجته لأصوات الناخب اليهودي لكسب ولاية «ثالثة». وعادة ما يكون الاستنتاج المنطقي من هذه الملاحظة أن الرئيس المنتخب لولاية ثانية أقدر على صياغة سياسة شرق أوسطية أكثر توازنا حيال النزاع الفلسطيني - الإسرائيلي.

بمنطق محض نظري تبدو هذه النظرية معقولة، بل وجذابة.

إلا أن خلفيتها السياسية تتجاهل التركيز على فرضيتين غير واقعيتين، أولاهما: أن صلاحيات الرئيس الأميركي تسمح له بالاستئثار، منفردا، بقرار بلاده الخارجي، وثانيهما: أنه «يتعاطف»، ضمنا، مع المطالب الفلسطينية إلى حد استعداده للتضحية بمصلحة حزبه في المحافظة على الدعم السياسي والمادي للوبي الصهيوني - في الداخل - وحاجة بلاده إلى «الركيزة» الإسرائيلية الثابتة في استراتيجيتها الشرق أوسطية - في الخارج.

على الصعيد الداخلي، حولت المواسم الانتخابية المتلاحقة نظام الولايات المتحدة الرئاسي إلى نظام خاضع باستمرار لحسابات «الربح والخسارة» السياسية، وبالتالي لضغوط «اللوبيات» النافذة في واشنطن على مرشح الرئاسة وحزبه طبعا.

بالنسبة للرئيس أوباما، قد يصح الافتراض أنه لم يصل إلى سدة الرئاسة الأميركية رئيس أكثر منه انفتاحا على العالم الإسلامي، ولا أكثر منه استعدادا لتحقيق حل الدولتين (الفلسطينية والإسرائيلية) في عهده، إلا أن هذه النوايا الطيبة كلها زالت بسرعة قياسية من رصيده السياسي إثر أول «مبارزة شخصية» خاضها مع رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، يوم ربط استقباله في البيت الأبيض بقبوله التوصية الأميركية بوقف عمليات الاستيطان في القدس والضفة.

يومها خرج أوباما من هذه المبارزة، مع رصيده الانفتاحي على القضية الفلسطينية والمسلمين، مهيض الجناح. فلم يعد مستغربا، بعد ذلك، أن يسكت عن تحول المفاوضات الفلسطينية - الإسرائيلية، في غياب «الحضور» الأميركي المؤثر، إلى تجربة جديدة في الجدل البيزنطي العقيم.. في وقت يتكرس فيه الأمر الواقع الاستيطاني الإسرائيلي في القدس والضفة ويتجذر. ولم يعد مستغربا أيضا أن يعلن أوباما، العام الماضي، معارضته اقتراح قيام الدولة الفلسطينية الموعودة من رحم الأمم المتحدة ويرفض أي مشروع بهذا الشأن يطرح على مجلس الأمن.

بعد أن ارتضى أوباما أن يسجل على نفسه هذه التراجعات، بات من الطبيعي أن تتحول «أيباك» من لوبي صهيوني نافذ في واشنطن إلى ما يشبه «حكومة الظل» في توجيه سياسة إدارته حيال النزاع الفلسطيني – الإسرائيلي، ما جعل الترحم على عهد جورج بوش واجبا قوميا.. فمهما قيل عن بوش يسجل التاريخ له أنه في أحد أيام ولايته قدم «الإلهام الإلهي» على الضغوط الصهيونية ليخرج بنظرية «الدولتين الديمقراطيتين المتعايشتين بسلام» على أرض فلسطين.

قد يكون السؤال اليوم: من هو «ملهم» أوباما الإسلامي الجذور؟