وسائل «التطبب عن بعد».. تجسد الاستخدام الأمثل لخدمات المرافق الصحية

TT

لا حدود لإمكانات الإبداع في تحقيق الاستخدام الأمثل للإمكانات البشرية والأجهزة الطبية في المرافق الصحية. وأهمية بناء «ثقافة الاستخدام الأمثل للمرافق الصحية» لا تحتاج إلى عناء كبير في الشرح والتوضيح، لأنه ببساطة: المرافق الصحية، كأي «شيء» آخر موجود حولنا، إذا استخدمناها بطريقة صحيحة، فإن بإمكانها أن تعطينا أكثر وأكثر وأن تقدم خدماتها لعدد أكبر وأكبر من الناس. والأهم أن نستفيد بأقصى قدر من طاقاتها البشرية ومن كل قرش أنفقناه فيها، وإذا أسأنا استخدامها، فإنها تتهالك ولا تقدم لنا أقصى ما لديها ولن نسترجع قيمة ما وضعناه فيها من أطباء وطاقم تمريض وأجهزة وإمكانات أخرى سواء كانت بشرية أو مادية.

وأحد العناصر التي تهتم بها برامج تطوير الجودة في المرافق الصحية، هو تطبيق هذا المفهوم وسلوك نهج تقليص هدر الإمكانات وإنهاك الموارد. وثمة وسائل أساسية لتحقيق الاستخدام الأمثل للطاقات الطبية البشرية ولأسرة تنويم المرضى ولعيادات متابعة المرضى ولغرف العمليات وأقسام العناية الفائقة وللأجهزة الطبية المعقدة الباهظة الثمن وللأدوية بأنواعها وغيرهم.

أحد طرق تحقيق الاستخدام الأمثل لجوانب من خدمات المرافق الصحية هو استخدام وسيلة «التطبب عن بعد» telemedicine. وأحد الأمثلة هو «التطبب عن بعد» في المدارس.

دعونا نراجع المشروع التالي: دعمت وكالة أبحاث الرعاية الصحية والجودة بالولايات المتحدة Healthcare Research and Quality AHRQ مشروعا طموحا لربط المدارس الابتدائية ومراكز روضات رعاية الأطفال الصغار بنظام شبكة للتطبب عن بعد مع مكاتب الأطباء في المستشفيات أو في المستوصفات، وهو «مشروع الإتاحة الصحية الإلكترونية» The Health-e-Access project. ومن خلال هذا المشروع، تتم معاينة الطفل من قبل «مساعد صحي» مدرب على استخدام تقنيات التطبب عن بعد telehealth assistantبالتواصل المباشر مع الطبيب عبر شبكة تواصل بالإنترنت لتحقيق ما يسمى «زيارة واقعية لمكتب الطبيب» «virtual doctor office visit». وقد يحضر الأب أو الأم هذا الأمر، أو ليس بالضرورة ذلك. ويقوم الطبيب بسؤال الطفل مباشرة عن شكواه والأسئلة الأخرى المهمة للتعرف على الأعراض التي تساعد الإجابات عنها في تشخيص حالة الطفل، وخلال المعاينة التي يشرف عليها الطبيب، يقوم المساعد الصحي بإجراء قياس حرارة الطفل واستخدام سماعة طبية خاصة electronic stethoscope يسمع الطبيب من خلالها صدر الطفل، واستخدام جهاز رؤية طبلة الأذن والحلق، ويقوم الطبيب بعد هذا إما بوصف العلاج، أو إعطاء التعليمات للمساعد الصحي. وبدأ المشروع في عام 2001 في مدينة روتشستر بولاية نيويورك، وشمل ربط 23 مدرسة بأطباء في عشرة مراكز للرعاية الطبية الأولية. وفي عام 2010 تمت مراجعة المشروع الذي قام به المركز الطبي بجامعة روشستر، وتبين أنه أدى إلى خفض تغيب الأطفال عن الحضور إلى المدارس بنسبة 64%. وحتى ثقة الأمهات والآباء ارتفعت، واقتصر حضورهن مع أبنائهن إلى 10% فقط نظرا لملاحظتهن جدوى هذه الوسيلة وكفاءة عمل المساعدين الصحيين في تسهيل معالجة أطفالهم وهم في مدارسهم. والأهم أيضا عدم إرهاق أقسام الإسعاف أو عيادات الأطباء بزيارة هؤلاء الأطفال المرضى وعدم اضطرار آبائهم أو أمهاتهم لترك أعمالهم الوظيفية وتغيبهم لأخذ أطفالهم إلى العيادات أو المستشفيات.

وبإمكان تسخير تطبيقات تقنية الاتصالات والمعلومات، تسهيل تواصل المرضى في المناطق النائية أو في الحالات المرضية الحرجة عبر أطبائهم في تلك المناطق، مع أطباء مختصين في مراكز طبية متقدمة لا تتوفر عادة إلا في المدن الرئيسية، وكذا تسهيل عمليات متابعتهم الطبية بطريقة تتيح للطبيب فحص مريضه بعناية ومراجعة نتائج شتى أنواع فحوصاته وفي وقت أسرع ودون تكبد المريض عناء التنقل ومراجعة أقسام الإسعاف نظرا لعدم توفر مواعيد مناسبة في عيادات المراجعة.

وبين البدء من حيث انتهى الغير، ومدى توفر إمكانات ذلك، تظل الحقيقة أن من يحاول ويجتهد في التفكير لتسخير ما هو متوفر من إمكانات، سيصل بلا شك إلى حلول، وأن هذه الجهود في ابتكار الحلول، بلا شك أفضل من ترك المشكلة من دون سعي لإزالتها. كما أن إمكانات المرافق الصحية؛ بشرية ومادية، يمكن ترشيد استهلاكها بما يخدم المرضى بشكل أفضل وعلى نطاق أوسع وبما يحفظ استمرار الاستفادة منها.

* استشاري باطنية وقلب

مركز الأمير سلطان للقلب في الرياض

[email protected]