هل تستطيع البرازيل وقف إيران؟

TT

البرازيل هي أرض المستقبل، كما يقولون، وستظل دوما كذلك. ولكن مع زيارة رئيسة البرازيل، ديلما روسيف، الى البيت الأبيض في الأسبوع المقبل، سوف تذهب إلى هناك كزعيمة لدولة لديها حاضر عظيم وليس فقط مجرد مستقبل بانتظارها.

مع الاكتشافات النفطية الجديدة وفيضان الاستثمار الأجنبي الذي يتدفق عليها، تمكنت البرازيل، التي ينمو اقتصادها بضعف معدل نمو الاقتصاد الأميركي، من التفوق على بريطانيا لتصبح سابع أكبر اقتصاد في العالم. وكعضو في مجموعة العشرين ومنظم لكأس العالم لكرة القدم لعام 2014 ولبطولة الألعاب الأوليمبية في عام 2016، تعتبر البرازيل واحدة من الدول القائدة الناشئة في العالم.

وعلى الرغم من ذلك، كانت هناك فرصة سانحة أمام البرازيل لتمارس تلك الزعامة ولكنها فشلت في ذلك، ألا وهي منع انتشار الأسلحة النووية. إن على البرازيل اتخاذ تلك الخطوة الجريئة الخاصة بوقف برنامجها الخاص بتخصيب اليورانيوم بصورة طوعية ومناشدة البلدان الأخرى، بما في ذلك إيران، أن تحذو حذوها.

بدأت البرازيل كقوة دافعة نحو منع انتشار الأسلحة النووية، حيث إنها قامت طواعية بإخضاع منشآتها النووية لإشراف الوكالة الدولية للطاقة الذرية في عام 1991، ثم انضمت بعد ذلك إلى معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية. وعلى الرغم من ذلك، فقد أعلنت البرازيل، التي تمتلك خامس أكبر احتياطي يورانيوم في العالم، في عام 2004 أن الدول كافة لها «حق غير قابل للتغيير» في تخصيب اليورانيوم «للأغراض السلمية». بعد ذلك، قامت بإقامة منشأة لتخصيب اليورانيوم ودخلت في حرب مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية لأكثر من عام قبل أن تمنح مفتشي الوكالة حق دخول تلك المنشأة.

تقول البرازيل إن برنامجها لتخصيب اليورانيوم مخصص لأغراض سلمية، وإنه ليس هناك سبب للتشكيك في ذلك. تسمح معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية للدول الموقعة عليها بإنتاج اليورانيوم المخصب لتزويد المفاعلات التجارية ومفاعلات الأبحاث بالطاقة وبتخزين الوقود المشع وإعادة معالجة الوقود المستهلك، طالما تخضع كل المنشآت النووية لمراقبة الوكالة الدولية للطاقة الذرية.

يكمن الخلل الوحيد في هذا الأمر في أنه من الممكن استخدام نفس المنشآت التي تقوم بتخصيب اليورانيوم لأغراض سلمية في زيادة تخصيب اليورانيوم لإنتاج أسلحة نووية، بالإضافة إلى احتواء الوقود الذي تتم إعادة معالجته على البلوتونيوم الذي من الممكن أن يستخدم في صنع القنابل النووية. وعن طريق استغلال «ثغرة التخصيب» هذه، قامت كوريا الشمالية بتطوير برنامج سري لإعادة معالجة الوقود المستهلك، ثم انسحبت من المعاهدة وقامت بعد ذلك بفترة وجيزة بتطوير أسلحة نووية. وتحاول إيران القيام بنفس الأمر أيضا.

ومن بين البلدان التي تقوم حاليا بتشغيل أو إنشاء محطات للطاقة النووية أو مفاعلات بحثية بموجب تلك المعاهدة، تمتلك أكثر من 40 دولة القدرة على صنع أسلحة نووية عن طريق استغلال تلك الثغرة. ومثلما حذر الرئيس الأميركي أوباما، فإنه في حال تمكنت إيران من تطوير قدرات نووية، وهي باستطاعتها ذلك، فسوف يشكل هذا ضغطا هائلا على السعودية ومصر وتركيا يدفعهم للتحرك السريع لامتلاك أسلحة نووية بأنفسهم.

تحتل البرازيل مكانة متميزة بين الدول النامية تمكنها من التصدي لخطر انتشار الأسلحة النووية وذلك بفضل دفاعها التاريخي والقومي عن التخصيب. وفي حال أقدمت البرازيل على التخلي عن حقها في تخصيب اليورانيوم لتحقيق السلام العالمي وإغلاق منشآتها النووية وتبني الاقتراح الذي قدمته الأمم المتحدة منذ فترة طويلة بخصوص قبول الحصول على اليورانيوم المخصب من الوكالة الدولية للطاقة الذرية والسماح للوكالة بإعادة معالجة الوقود المستهلك الخاص بها - وهي نفس الصفقة التي عرضت بالأساس على إيران - ومناشدة الدول الأخرى التي وقعت على المعاهدة أن تحذو حذوها، فسوف تقوم بتغيير طبيعة هذا الجدال المثار حول البرامج النووية.

سوف يدحض مثل هذا الموقف البرازيلي حجة إيران الرئيسية بأن الدول المتقدمة التي تمتلك أسلحة نووية تسعى إلى شكل من أشكال «الفصل العنصري النووي» عن طريق سحب «الجسر المتحرك» الخاص بعملية التخصيب قبل أن تتاح الفرصة للدول النامية لعبوره. سوف يمنح هذا الموقف أيضا إيران طريقة مناسبة تحفظ من خلالها ماء وجهها في الانضمام إلى الدول النامية الأخرى في إطار مساعٍ جديدة متعددة الأطراف لتعليق تخصيب اليورانيوم بدلا من الانصياع للعقوبات والتهديدات الغربية. وأخيرا، إذا اتخذت البرازيل وبعض البلدان النامية الأخرى قرارات بالتخلي عن تخصيب اليورانيوم، فسوف يؤدي هذا إلى إتاحة الفرصة أمام المساعي الدولية المتضافرة الجديدة لإغلاق ثغرة التخصيب نهائيا عن طريق تعديل معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية.

وعلى الجانب الآخر، هناك بعض العقبات التي تقف في هذا الطريق، حيث إن الدوائر العسكرية والتجارية القوية لها مصالح كبيرة في استكمال برنامج التخصيب البرازيلي، بالإضافة إلى ضرورة تهدئة القوميين البرازيليين. ولذا، فمن الأهمية بمكان أن يتم النظر إلى البرازيل على أنها تتصرف من تلقاء نفسها بدلا من الرضوخ إلى ضغوط واشنطن.

ولا يزال باستطاعة الولايات المتحدة تقديم بعض الحوافز من وراء الأبواب المغلقة، حيث يدرس الرئيس أوباما بعض المقترحات بخصوص تخفيض ترسانة أميركا النووية التي تعمل بكامل طاقتها بنحو 30 في المائة أو ربما أكثر.

تتزعم البرازيل حاليا مجموعة من ثماني دول غير نووية تمارس بعض الضغوط على القوى النووية، بما فيها الولايات المتحدة، للوفاء بالتزاماتها الخاصة بمعاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية والتحرك نحو نزع السلاح النووي في النهاية - وفي حال تم إحراز تقدم كبير على هذا الصعيد، فسوف يكون للبرازيل فضل كبير فيه. يمكن أيضا للكونغرس والبيت الأبيض إعادة النظر في التعريفة الجمركية العقابية المفروضة على منتجات البرازيل من الإيثانول المستخرج من قصب السكر، وهو الأمر الذي يرغم الأميركيين على الاعتماد على الإيثانول الأكثر تكلفة المستخرج من الذرة، مما يؤدي إلى رفع أسعار الغذاء العالمية.

وبين عشية وضحاها، سوف يؤدي تخلي البرازيل عن حقوقها في تخصيب اليورانيوم إلى وضعها في موقع الزعامة العالمية فيما يتعلق بأكثر التحديات الأمنية التي تواجه المجتمع الدولي إلحاحا. وسوف تشكل تلك الزعامة البرازيلية حتما سياق أي مناقشات مستقبلية حول عضوية البرازيل الدائمة في مجلس الأمن الموسع - وهو أحد الطموحات التي تسعى البرازيل إلى تحقيقها منذ فترة طويلة.

وفي الوقت الذي يواجه فيه العالم احتمالية نشوب حرب مع إيران، تمتلك السيدة روسيف الفرصة، التي يجب عليها اغتنامها، ألا وهي تقديم عرض شجاع للمساعدة في نزع فتيل تلك الأزمة.

* مدير شركة أسهم خاصة وشغل منصب مساعد وزير الخارجية لشؤون البلدان الأميركية في الفترة بين 1989 و1993

* خدمة «نيويورك تايمز»