أكثر الكتاب يجبنون

TT

في معرض الكتاب الأخير بالرياض سمح رجال (الهيئة) لأحد الباعة بعدم مغادرة الركن الذي يبيع فيه أثناء الصلاة، آخذين (بالرخصة الشرعية) بجواز عدم صلاة الجماعة لمن خاف ضياع ماله.

وكان هذا الموقف أو هذه الرخصة فريدة من نوعها وسابقة في حصولها.

فهل من الممكن تطبيقها على كل الأسواق؟ خصوصا أن هناك خسائر فادحة ومؤكدة وغير منظورة تنتج من ضياع الوقت وما يتبعه من تعطيل المصالح، وتكدس الرجال والنساء في الممرات وما ينتج عنه من لغط ومعاكسات، وأكثر من يفرح ويستفيد من ذلك هو العمالة غير المسلمة التي تعمل في الأسواق.. بل إن الإغلاق شمل حتى (الصيدليات)، وفوقها أيضا محطات الوقود في الطرق الطويلة التي أباح الشرع للمسافر فيها (الجمع) وحبب له ذلك.

ويذكر الأستاذ (فهد عامر الأحمدي) ويقول: حين كنت طفلا كان أصحاب المحلات يتناوبون على الصلاة في المسجد النبوي الشريف، وكان هناك ما يعرف بصلاة الأعمام (وهم ملاك المحلات الذين يصلون أولا) تليها صلاة الصبيان (ممن يعملون فيها)، وتظل الدكاكين مع ذلك مفتوحة.

ومن المعروف أن للصلاة أوقاتا (وهوامش زمنية) سمح بها الله من باب الرخصة والتيسير على عباده، فوقت صلاة الظهر مثلا من زوال الشمس حتى يصبح ظل كل شيء مثله، وصلاة العصر من وقت أن يصبح ظل كل شيء مثله إلى أن تصفر عين الشمس.

وهذا لا يمنحنا فقط فسحة وهامشا زمنيا لتأدية الصلاتين، بل وإمكانية تأديتهما معا (حين يصبح ظل كل شيء مثله فيتداخل نهاية وقت الظهر مع بداية وقت العصر)، وليس أدل على هذا من تأخير الرسول الكريم (صلى الله عليه وسلم) صلاة الظهر حتى العصر في أشهر الحر، حيث قال: أبردوا بالصلاة، فإن حر الظهيرة من فيح جهنم. فهل (بعض) المشايخ المتحمسين، ولا أقول المتعصبين، يزايدون حتى على رسول الله؟!

أعود وأذكر أنه حتى صلاة العشاء لا تتمتع فقط بهامش زمني طويل (من مغيب الشفق حتى منتصف الليل)، بل إنه فوق ذلك يُستحسن أداؤها متأخرة، وهذا الأمر لم يتفق عليه فقط علماء الأمة، بل ونصحت به هيئة كبار العلماء في السعودية في أكثر من فتوى، وأهمها فتوى للشيخ (ابن باز) تحت عنوان: «هل يُستحب تأخير صلاة العشاء؟!»، ويقول سماحته بالنص وبالحرف الواحد: «الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه، أما بعد: فقد ثبت عن النبي ما يدل على أنه يستحب للرجال والنساء تأخير صلاة العشاء، لأنه عليه الصلاة والسلام لما أخرها ذات ليلة إلى نحو ثلث الليل قال: (إنه لوقتها لولا أن أشق على أمتي) فإذا تيسر تأخيرها بدون مشقة فهو أفضل».

إذن، لم آت أنا بجديد، ولم أضع، لا سمح الله، بيني وبين النار أي مطوّع، وهذا الرأي المتواضع الذي أبديته إنما يدور كثيرا في المجتمع، ولكن أكثر الناس لا يصرحون به، وأكثر الكتّاب يجبنون.

فهل قذفت بنفسي للتهلكة وأنا لا أدري؟! يا ليتني أدري.

[email protected]