سؤال يدعو للعجب

TT

الأستاذ (عمرو موسى) الأمين السابق للجامعة العربية، ومرشح الرئاسة لجمهورية مصر، تقدمت له مذيعة من قناة (المنار) لتجري حوارا معه، فمد لها الأستاذ عمرو يده أدبا منه لمصافحتها، غير أنها رفضت مصافحته وكأنه يريد أن يأكلها قائلة له: لا، إنني لا أسلم باليد، فما كان منه إلا أن يقول لها: إذن لا سلام ولا كلام، وأنهى اللقاء.

هذه الحادثة السريعة الخاطفة هي مدخل لهذا المقال الذي أعادني لتذكر داعيتين (تلفزيونيتين) من النساء، الأولى: محجبة كاشفة عن وجهها ولكنها بالمقابل (تنقب) يديها بقفازين، والأخرى كاشفة عن يديها ولكنها بالمقابل (منقبة) وجهها، وهاتان السيدتان الفاضلتان أصابتاني بحيرة ما زالت تلازمني حتى الآن، وإنني أتساءل: أي من السيدتين هي التي على صواب، وأيتهما التي علىخطأ؟!، ثم هل العورة هي في كشف اليد والوجه والقدم والشعر، أم أنها في شيء آخر لا يمت لكل ما ذكرته بصلة؟!

وبالصدفة ما زلت في هذه الأيام أقرأ في كتاب (من سوانح الذكريات) للأستاذ الراحل (حمد الجاسر)، وجاء فيه أن أحد أصدقائه أغراه للذهاب معه في رحلة إلى (أبها) في جبال عسير، وكان ذلك في عام (1933)، وحيث لا سيارات في تلك الأيام، فقد انطلقا من مكة إلى عسير على ظهر جملين (ثمانية سرندل)، وأخذت منهما الرحلة ما يقارب من ثلاثة أسابيع.

وعندما وصلا استأجر صاحبه منزلا، ثم ذهب، وبعدها يقول الأستاذ حمد:

دهشت لأول مرة، عندما أتى صاحبي وصاحب البيت الذي معه أربع نسوة، أمه وثلاث فتيات هن أخواته وكن على جانب بالغ من الجمال، فاستنكفت من الأكل معهن متورعا وانفردت (أبسمل وأحوقل)، فأعطوني أكلي، فيما أخذوا هم يأكلون دون أي حرج.

وكان الحجاب في هذه البلدة في ذلك العهد لم ينتشر بين النساء، وكان صاحبي متزوجا فتاة عسيرية، فأحضر بعدها زوجته من بلدة الخميس، وكانت سافرة، كنساء تلك المنطقة بشكل طبيعي وتلقائي.

وكان صاحب البيت قد استأجر امرأة قحطانية ترعى غنمه، ولها ابنة يتيمة تدعى (شاطرة) تعجب بجمالها كل من رآها، وكان يتردد على زيارة صاحبي بعض الرجال والشباب، فأعجب أحدهم (بشاطرة) فخطبها ووافقت هي وأمها، واستدعوا أحد أقاربها كولي أمر، وفي اليوم الثاني اشترى الخاطب الشاب كبشين، وأولموا وليمة حضرها كل الجيران وأكلوا جميعهم متجاورين الكتف بالكتف، وبعدها أقاموا حفلة عرس جماعية أخذوا يهزجون فيها رجالا ونساء وأطفالا في سعادة بالغة ما بعدها من سعادة، وفي مقدمتهم العريس والعروسة.

وللمعلومية كانت النساء في ذلك الوقت يشاركن الرجال بكل وضوح في جميع نواحي الحياة من الزراعة إلى الحرف إلى الرعي إلى البيع في الأسواق بكل براءة وصدق، ولم يخلّ ذلك لا في دينهن ولا في شرفهن.

وإنني أيضا أتساءل - وما أكثر تساؤلاتي -: هل النساء في يومنا الحاضر اللواتي يتلفعن بالسواد من قمة رؤوسهن إلى أخمص أقدامهن، هل هن أكثر تدينا وشرفا من نساء ذلك الزمن الواثقات من أنفسهن؟! وهن الآن على فكرة في مقام جداتهن.

فعلا إنه تساؤل محير ويدعو للعجب (!!).

ما أكثر الذين يقرأون كلامي هذا الآن (ويتضرسون)، وودوا لو أنهم قذفوا بي خلف الشمس.