فضل القطط على البشرية

TT

كثيرا ما ينتقدونني على إغراقي في الكتابة عن الحيوانات. وهذا يعود لايماني بأفضالها الكثيرة علينا. فالخيل هي التي حملت السلف على ظهورها ليفتحوا العالم. والجرذان اكلت الكثير من الاكاذيب والخرافات التي ملأوا بها كتبنا. والجمال حملت نبينا عليه الصلاة والسلام وصحابته رضوان الله عليهم في رحلاتهم. والكلاب تنبح طوال الليل لتوقظ شعوبنا من سباتها. يكفينا اعترافا بفضلها ان كل هذه الحيوانات التي تجوب سهولنا وهضابنا لم تشارك قط بكل هذه الانقلابات العسكرية والثورات الدموية والحروب الاهلية التي مررنا بها. والذئاب والنمور والسباع تقوم بواجبها في السيطرة على النسل وكثافة السكان بأكلهم.

اعتدنا على اعتبار القطط مجرد ملهاة لإزجاء الوقت. ولكنني اكتشفت مؤخرا فضلها على النهضة الصناعية المعاصرة. فعندما انهمك الانجليز بتطوير الثورة الصناعية لوحظ ان الجرذان قد انشبت انيابها في بريد المؤسسات التجارية والصناعية بحيث عرضت الاعمال للاضطراب والتخبط. لم يجدوا سبيلا للتغلب عليها الا بتسليط القطط عليها. ولأول مرة عينت الوزارة عام 1870 «مدير قطط». وبعد اشهر من تعيينه كتب للسيد الوزير يقول: إن نظام القطط قد حل المشكلة بشكل كبير. وقامت القطط بواجبها بكفاءة. ولكننا لم نستطع تنفيذ طلب معالي الوزير بالاقتصار على الاناث من القطط فقط.

وهذه نقطة جديرة بالملاحظة. فقد امتنع مدير القطط عن التمييز بين الذكور والاناث، بين الهرر والبسونات، الأمر الذي ما زلنا نتردد بشأنه ونمتنع عنه بالنسبة للمواطنين والمواطنات. وبقدر ما اعرفه عن تفاصيل هذه القضية لم يتدخل اسقف كانتربري ولا اي احد من رجال الكنيسة في هذا الأمر او يعترض على اختلاط الذكور والاناث من بني البسس في اداء هذا العمل او يعتبره شيئا مخلا بشرف القطط وتراثها وتاريخها في صيد الجرذان وحماية مراسلات الحكومة. واستمرت الهرر والبسات في العمل جنبا لجنب في حماية المخططات والوثائق الصناعية التي اصبحت القاعدة الاساسية لازدهار الوطن البريطاني. وهذا في الواقع هو سر المحبة العميقة بين الانجليز والقطط. رئيس وزراء يأتي ورئيس وزراء يروح ولكن القطة بتسي ظلت مقيمة في دارها عشرة داوننغ ستريت، مركز الحكومة البريطانية، دون ان يجرؤ اي احد على نفيها او ترحيلها بإسقاط الجنسية عنها. ويتهالك الوزراء ورؤساء الوزراء على الظهور معها في الصور والافلام الاعلامية.

وتقول الوثائق البريطانية ان الوزارة خصصت ستة بنسات لطعام القطة الواحدة. بيد ان المستر ودمان، المدير العام للقطط اعترض على ذلك وقال إن اكل لحم الجرذان القتيلة لا يكفي قط للقطط. ومن الضروري تغذيتها بشكل جيد لتقوم بمهمتها الوطنية. فالقط الجائع لا يستطيع اداء عمله بكفاءة. وقد جر ذلك الى مراسلات طويلة بشأن صحة القطط واحوالها الاجتماعية استمرت حتى القرن العشرين بين المدير والوزير، يمكن الاطلاع عليها في مؤسسة الوثائق البريطانية مع الوثائق المتعلقة باستقلال العراق ووعد بلفور.