الشراكات بين القطاعين العام والخاص.. وظائف وفرص جديدة

TT

أنا على ثقة أنه في حالة توافر الظروف الملائمة، فإن البلدان التي تضع برنامجا محكما للشراكة بين القطاعين العام والخاص سوف تخلق فرص عمل كبيرة في القطاع الخاص. وغني عن القول إن الزيادات الحادة في أعداد السكان في الشرق الأوسط، وخصوصا في المملكة العربية السعودية، مقارنة بفرص العمل المتاحة، سوف تعني ارتفاع معدلات البطالة، بما لها من آثار سلبية كثيرة على المجتمع. وبالتالي، يتعين على الحكومات أن تعمل على الحد من ذلك الخطر، وسوف تفيد في ذلك خطط مثل برنامج السعودة وتدعيم القطاع الخاص، وهذا يتطلب دقة كبيرة في التخطيط والمراقبة. وقد ذهبت إلى لندن هذا الأسبوع، وكان لي شرف الحديث حول موضوعي الشراكة بين القطاعين العام والخاص، والتدريب المهني مع بعض كبار الزوار السعوديين. وقد قام وزير التجارة البريطاني، منذ بضع سنوات، بتعييني أنا وزميلي ستيفن هاريس كي نترأس معا اللجنة الحكومية البريطانية المسؤولة عن مساعدة الحكومات الأجنبية في التعرف على مفهوم الشراكة بين القطاعين العام والخاص. وقد عملنا في ما بيننا مع ما يزيد على 80 حكومة على مستوى العالم في هذا المجال، وهذه المعارف والخبرات أتاحت لنا أن ندرك ما يصلح وما لا يصلح. وقد أصبح هناك حاليا ما يربو على 100 بلد في جميع أنحاء العالم تنفذ أو تدرس برامج للشراكة بين القطاعين العام والخاص، وإن كانت النسبة التي نجحت بالفعل في تنفيذ البرنامج منخفضة نسبيا. وفي أحد لقاءاتنا، لخص ستيفن هذا الوضع في 3 أسباب تقف وراء هذا العجز العام عن تحقيق النجاح:

أولا: إن جميع البلدان التي تتطلع إلى إيجاد شراكات بين القطاعين العام والخاص تتنافس في ما بينها على مساحة دولية محدودة من المستشارين ورؤوس الأموال وشركات التشغيل، ولن يتمكن من جذب الشركات الخبيرة المطلوبة لإنجاز المشاريع فعليا سوى تلك البلدان التي لديها نظام يسير وفق المعايير الدولية المعترف بها.

ثانيا: أثبتت التجارب الدولية أن هناك بعض العوامل الأساسية التي لا بد من توافرها، أيا كان البلد صاحب الشأن، من أجل إنجاح أي برنامج، وهذه العوامل لا تتعلق في معظمها بالمشاريع المقترحة نفسها، بل هي عوامل مساعدة.

ثالثا: أهم عامل لضمان جودة المشاريع، التي تفيد البلد المعني، هو التدريب الجيد للعاملين في الحكومة المنوط بهم تسيير تلك المشاريع المتعلقة بالشراكة بين القطاعين العام والخاص. وقد أعلن «مكتب التدقيق الوطني في بريطانيا العظمى» وشركة «ستاندارد آند بورز» والاتحاد الأوروبي، مؤخرا، أن الافتقار إلى التدريب الحكومي يمثل عقبة كبرى أمام نجاح الشراكات بين القطاعين العام والخاص.

ولا يوجد جديد في ما يتعلق باقتراض الحكومات من أموال القطاع الخاص لتمويل عمليات تقديم الخدمات العامة وكذلك، على وجه الخصوص، شراء الأصول الرأسمالية. كذلك لا يوجد أي جديد في اعتماد الحكومات على القطاع الخاص في تقديم الخدمات العامة - سواء من خلال إنشاء أصول جديدة أو من دونه - وقد كان تقديم الخدمات دوما يتكون من مزيج من العمل الداخلي والشراء من الخارج. لكن الجديد هو إبرام عقود طويلة الأجل، مع ترك ملكية وإدارة الأصول المعنية للقطاع الخاص. وما تعمل الشراكة بين القطاعين العام والخاص على تحقيقه وتشجيعه هو المزيد من مشاركة القطاع الخاص في تقديم الخدمات العامة، وكذلك إمكانية توفير المزيد من فرص العمل في القطاع الخاص.

وللنجاح في الشراكات بين القطاع العام والخاص، إضافة إلى مستشاري الصفقات (الذين من السهل نسبيا العثور عليهم)، يحتاج القطاع الخاص إلى موجه أو مستشار عام لتنسيق البرنامج وضمان تركيز جميع أصحاب المصلحة (القطاع العام وشركاء تقديم الخدمات من القطاع الخاص والمستشارين الآخرين) على تحقيق الأهداف المنشودة. وقد وجدت أن تقديم المشورة إلى الحكومة يؤدي إلى تحقيق المواصفات الصحيحة، وبالتالي فهو يعتبر من أفضل الطرق لبلوغ النجاح.

ويعتمد النجاح على توافر الخبرة وتبني أفضل الممارسات الدولية، غير أن هناك مجالا محدودا من المستشارين الدوليين ذوي الخبرة. وعن طريق الدعم المناسب، تستطيع الحكومات أيضا أن تشارك مشاركة مفيدة مع مؤسسات القطاع الخاص المحلي، وأن تستعين بها في تقديم الخدمات ضمن برنامج للشراكة بين القطاعين العام والخاص. وتعمل مؤسسات القطاع الخاص المحلي في مجموعة كبيرة من الخدمات، ويمكن اعتبارها رد الفعل التجاري للمجتمع تجاه تطوير وتقديم خدمات جديدة وخلق فرص عمل جديدة.

ومن المبادئ الرئيسية التي تقوم عليها الشراكة بين القطاعين العام والخاص أنها تهدف إلى تحويل الهيئات الحكومية من مالك ومشغل للأصول إلى مشتر للخدمات من القطاع الخاص. وتتضمن الشراكة بين القطاعين العام والخاص مجال عمل جديدا بالنسبة للقطاع العام، إذ يتعين عليه أن يحدد ملامح الخدمة التي يريد شراءها على المدى الطويل، وإرساء آلية عادلة تحفز القطاع الخاص على تقديم الخدمة، وإدارة عقد خدمات طويل الأجل.

وقد بدأت الشراكة الحديثة بين القطاعين العام والخاص في بريطانيا العظمى سنة 1992، من خلال «مبادرة التمويل الخاص»، وأول ما ميز العملية التي جرت في بريطانيا هو الاستعانة بالمال الخاص من أجل توفير البنية التحتية اللازمة لتحسين مستوى الخدمات العامة. وسرعان ما أدرك القطاعان العام والخاص في بريطانيا سر قوة هذا الشكل من أشكال المشتريات، وهي حاجة القطاع العام إلى تحديد ملامح الخدمة التي يريد شراءها، والحاجة إلى تحديد آلية للسداد تحفز القطاع الخاص على تقديم تلك الخدمة، ومنظومة من الضوابط والتوازنات التي تكفل توازنا عادلا في الحقوق والواجبات.

وينبع الحافز في الشراكة بين القطاعين العام والخاص من رأس المال والدين الممتاز وأسهم الملكية في القطاع الخاص، التي تتم المخاطرة بها. ومن دون خوض رأس المال الخاص تلك المخاطرة، قد لا يكون هناك أي التقاء حقيقي بين المصلحتين العامة والخاصة.

وتعتبر الشراكات بين القطاعين العام والخاص عقودا طويلة الأجل، وهناك ممانعة في الغالب من المؤسسات في ربط رؤوس أموالها لكل تلك الفترات، وكان هذا مصدرا للقلق في بريطانيا. وقد تمكنت شركة طيران «بريتين إير وايز» من العثور على حل، ولكن حتى الآن لم يتم قط تعميم ذلك الحل على أي مكان آخر.

ويكمن الحل بالنسبة لسوق الشراكة بين القطاعين العام والخاص في إيجاد سوق نشطة يتم فيها تدوير حقوق الملكية الأصلية والدين التابع لها، وقد انتقلت صفقات الشراكة المبكرة بين القطاعين العام والخاص في بريطانيا إلى المراحل التالية من الدورة التشغيلية، ونتيجة لهذا، نشأت سوق ثانوية جديدة لاستثمارات الشراكة بين القطاعين العام والخاص، وهذه السوق الثانوية يتزايد حجمها مع مرور الوقت، متضمنا بيع المستثمرين في المشروع الأصلي، وهو الشركة ذات الأغراض الخاصة (SPV)، لأنصبتهم في تلك الشركة إلى المستثمرين الماليين الذي يجذبهم العائد المحتمل من الاستثمار المتاح طوال ما تبقى من أجل العقد، الذي يكون في العادة مدة طويلة.

وتلعب السوق الثانوية في الشراكة بين القطاعين العام والخاص دورا حيويا في توفير السيولة أمام ممولي المشاريع.

وقد كانت مستويات العائد من هذا النوع من المشاريع جذابة مقارنة بفئات الأصول الأخرى، وتم تأسيس عدد من صناديق البنية التحتية المتخصصة من أجل العمل في هذه السوق. وتوجد فرص أمام المستثمرين المركزين والمحنكين للشراء في هذه السوق الثانوية، وقد عمل فهمهم الشامل لمعاملات الشراكة بين القطاعين العام والخاص على تمكين مستثمري السوق الثانوية من إدراك حجم المكاسب الكبيرة التي تأتي من إعادة التمويل.

وقد كانت هذه الصناديق تركز في الأصل على شراء الأسهم، سواء على أساس المشروع أو الحافظة الاستثمارية، وكان ذلك يتم عادة عقب مرحلة التأسيس. ومنذ فترة قريبة، وافقت الشركات المتعاقدة على بيع الأسهم بعقود آجلة والمشاركة في الصناديق المدعومة بقروض، مما يزيد من تعزيز السيولة وسهولة الخروج. وقد تطور الهيكل القانوني والسوابق المماثلة إلى توفير مناخ مستقر يمكن ممارسة التجارة فيه، وقد أثبتت السوق مرونتها في مواجهة صدمات معينة. وقد بدأت السوق الأكثر اتساعا في إدراك قيمة عوامل الجذب المتفردة في بنية الشراكة بين القطاعين العام والخاص في بريطانيا، ويستطيع المحللون تسعير هذا بصورة ملائمة في ما يتعلق بشركات الشراكة بين القطاعين العام والخاص المدرجة في البورصة.

وتسهم الصناديق الثانوية في النمو الكلي للسيولة بأشكال شتى، حيث وفرت قوة الإنفاق التراكمية في القطاع فرصة هائلة للتوتر التنافسي بين البائعين، ويتمتع بنفس القدر من الأهمية تعزيز القيمة المتواصل وإدارة الأصول، حيث يمكن أن تقدمهما الصناديق الثانوية. ومن الضروري لجميع الأطراف، والقطاع العام، على وجه الخصوص، أن تعمل الأصول بفعالية طوال فترة التمتع بالامتياز الكامل، مما يتطلب إدارة نشطة. واعترافا منها بهذا، قام كثير من الصناديق الثانوية بإنشاء شركات تابعة لإدارة الأصول، كي تتولى الإشراف على كافة جوانب عملية تقديم الخدمات. وقد أدى وجود سوق متداولة إلى تحسين التقييم والتحليل عن طريق مجتمع الاستثمار الأوسع.

وهذا لن يحدث بين عشية وضحاها في الشرق الأوسط، بل هناك دروس ينبغي تعلمها من تجربة السوق الثانوية في بريطانيا وفرص العمل الجديدة التي يمكن خلقها.

* أستاذ زائر بكلية الأعمال، جامعة لندن متروبوليتان، ورئيس شركة «ألترا كابيتال»