لماذا يكره الناس المصارف؟

TT

منذ بضعة أشهر، كنت أقف في مصعد مزدحم عندما دخل جيمي ديمون، الرئيس التنفيذي لمصرف «جي بي مورغان تشيس»، والذي قال عندما رآني بصوت عال بالدرجة الكافية ليسمعه جميع من كانوا في المصعد: «لماذا تكره صحيفة (نيويورك تايمز) المصارف»؟

ليست صحيفة «نيويورك تايمز» هي التي تكره المصارف يا سيد ديمون، وهي بالفعل لا تكرهها، ولكن الدولة هي التي تكره المصارف هذه الأيام. وإذا أردت معرفة السبب، فسوف ألفت انتباهك إلى مرجع موثوق به في مجالكم هذا، ألا وهي صحيفة «ذي أميريكان بانكر»، والتي نشرت يوم الاثنين الجزء الثالث من سلسلتها الأكثر إحباطا وكآبة حول ممارسات تحصيل ديون البطاقات الائتمانية.

لا يمكنك قراءة تلك السلسلة من دون أن تتساءل عما إذا كانت المصارف قد تعلمت أي شيء من أزمة نزع الملكية، والتي ترتب عليها عقد تسوية بقيمة 25 مليار دولار بين المصارف والحكومة الفيدرالية والولايات. جاءت تلك الأزمة كنتيجة مباشرة للممارسات السيئة وغير القانونية في معظم الأحيان من قبل المصارف، والتي تسببت في تعاسة لا يمكن وصفها بالنسبة للملايين من الأميركيين. كان إجبار المصارف على معاملة ملاك المنازل بقدر من الكياسة جزءا من الغاية من تلك التسوية. لا يمكن لأحد تخيل أن مثل هذا الأمر كان مطلبا عسيرا، ولكنه ما كان ليتحقق أبدا من دون التهديد بمقاضاة تلك المصارف. وكما اتضح فيما بعد، تحدث نفس تلك السلوكيات المشينة داخل أقسام تحصيل ديون البطاقات الائتمانية في المصارف الكبرى، حيث إن هناك حالة من الفوضى في السجلات. ويعتبر توقيع المستندات من دون التحقق من صحة البيانات التي تحتويها أمرا شائعا. وتضر ممارسات التحصيل تلك بالفقراء والبسطاء في المقام الأول، تماما مثل إجراءات نزع الملكية. (أحيانا أتساءل عن قدرة المصارف على جني أي أرباح على الإطلاق إن لم تتمكن من استغلال الفقراء والبسطاء). وطبقا لجيف هوروتيز، مؤلف سلسلة «ذي أميريكان بانكر»، تم استخدام سجلات مصرف «جي بي مورغان تشيس»، من قبل بعض الشركات الخارجة عن القانون لمقاضاة الأشخاص المتعثرين في سداد ديون البطاقات الائتمانية «والتي اختلفت أحيانا عن الملفات الخاصة بالمصرف بمعدلات مثيرة للقلق، وذلك طبقا لعرض روتيني للمصرف». قام المصرف أيضا ببيع الديون إلى من يطلق عليهم «مشتري الديون» - الذين ذهبوا فيما بعد إلى المحاكم لمحاولة تحصيل تلك الديون – من إحدى المحافظ الاستثمارية لدى المصرف، على وجه التحديد، «والتي طالما اعتبرت غير موثوق بها وتفتقر إلى الوثائق».

قام المسؤولون التنفيذيون بمصرف «بنك أوف أميركا»، طبقا لهوروتيز، بتصفية أسوأ مستحقات بطاقات الائتمان في المصرف مقابل القليل من السنتات لكل دولار. وتضمنت العقود التي وقعها المصرف مع مشتري الديون إخلاء مسؤولية المصرف عن دقة تلك الأرصدة، وبهذا، فإن كانت هناك أخطاء في تلك الأرصدة، فيجب على المقترضين أنفسهم توضيحها - بعد أن يقوم مشترو الديون بمقاضاة المقترضين لاسترداد تلك الأموال. وعلاوة على ذلك، لا تجبر معظم تلك العقود المصارف على تقديم الوثائق إذا طلب منها ذلك، ولكن «بنك أوف أميركا» يقول إنه سيقوم بتقديم الوثائق.

وأشارت كاتبة أخرى في «ذي أميريكان بانكر» تدعى ماريا إسبان إلى أن هناك امرأة قامت بدفع كامل ديونها، ولكنها أمضت 3 سنوات في محاولة صد أحد جامعي الديون. ألا يبدو هذا الأمر أشبه ببعض قصص الرعب الخاصة بأزمة نزع الملكية؟

حدثت كل تلك الممارسات التي كشفتها «ذي أميريكان بانكر» خلال عامي 2009 و2010. وكرد على كل تلك المشاكل، قام مصرف «جي بي مورغان» بإغلاق إدارة تحصيل ديون بطاقات الائتمان الخاصة به، على الأقل في الوقت الراهن، وأبلغ جهازه التنظيمي بهذا الأمر، (بالإضافة إلى قيامه بتسوية قضية تتعلق بالكشف عن بعض ممارسات العمل غير القانونية). يقول مصرف «بنك أوف أميركا» إن ممارسات تحصيل الديون التي ينتهجها ليست أمرا خاصا به وحده، وهو أمر صحيح بصورة كبيرة. ورغم ذلك، يقول المحامون المتواجدون في الصفوف الأمامية: إن تحصيل ديون بطاقات الائتمان يظل مشكلة مروعة. تقول كارولين كوفي، من مؤسسة «إم إف واي ليغال سيرفيسيز» والتي تدافع عن الموكلين الذين تمت مقاضاتهم من قبل محصلي الديون: «في كثير من الأحيان لا يستطيع المقترض توكيل محام. هناك عدد كبير من المشاكل الناجمة عن عدم تقديم بعض الخدمات للناس بصورة مناسبة، بحيث لا يعلمون حتى أنه قد تمت مقاضاتهم. وفي حال وصول الأشخاص إلى المحكمة ومطالبتهم بإظهار الوثائق، يقوم مشترو الديون بإسقاط القضية، حيث إن تلك الديون لا تستحق عناء تقديم دليل فعلي عليها».

أشارت كارين بيترو، وهي المدير المشارك لمؤسسة «فيديرال فايننشيال أنالاتيكس»، إلى سبب آخر لاعتبار تلك الممارسات غير لائقة، حيث تقوم تلك المصارف، في الواقع، بتعهيد أعمالها غير المشروعة لشركات أخرى، ثم تقوم بعدها بتطهير أيديها من تلك الأمور، في الوقت الذي يقوم فيه مشترو الديون بمضايقة الناس ومقاضاتهم وتحويل حياتهم إلى شقاء، وهو الأمر الذي يحدث غالبا من دون دليل على امتلاكهم لهذا الدين من الأساس. تقول بيترو إنه لا يجب السماح للمصارف بـ«القيام بمثل هذا الأمر» ببساطة.

كتبت بيترو في رسالة إلكترونية: «نصلي في الكنيسة للصفح عن (تلك الشرور التي تم تنفيذها بالنيابة عنا)، ولكن ينبغي على البنوك القيام بما هو أكثر من الصلاة، حيث يجب محاسبتها على ذلك».

عندما كنت في «مكتب الحماية المالية للمستهلكين» منذ بضعة أسابيع، وجدت تركيزا كبيرا على موضوع ممارسات تحصيل الديون، والتي لا تزال غير خاضعة للتنظيم حتى الوقت الراهن. لقد ذهبت إلى هذا المكتب لسؤال الناس هناك حول ما إن كانوا قد قاموا بقراءة سلسلة «ذي أميركيان بانكر» أم لا، وكانت الإجابة بنعم. قال المكتب في بيان مقتضب: «لقد أخذنا على محمل الجدية كافة التقارير الخاصة بشراء أو بيع الديون ليتم تحصيلها من دون وجود وثائق مناسبة توضح حجم تلك الأموال المدينة. يراقب مكتب الحماية المالية للمستهلكين ممارسات تحصيل الديون عن كثب». وهي لحظة لن تأتي قريبا.

* خدمة «نيويورك تايمز»