أوباما لا يكترث بدعم الحريات

TT

بعد مرور أكثر من 3 سنوات على وصول الرئيس الأميركي باراك أوباما للبيت الأبيض، أصبح من الممكن القول بأن الديمقراطية والحريات لا تحظيان بمكانة كبيرة في السياسة الخارجية، ومن الممكن أيضا أن نتوصل إلى نظرية توضح السبب وراء ذلك.

في الحقيقة، كان هناك حالة من عدم اليقين تحيط بهذا الموضوع قبيل انتخاب أوباما. والشيء الذي لم يكن غريبا هو أن أوباما كان متحمسا لأن ينأى بنفسه عن «أجندة الحريات» الخاصة بسلفه، والتي تم الترويج لها بصورة كبيرة وبلغت ذروتها في الحرب على العراق التي لم تكن تحظى بتأييد شعبي كبير. وتحدث أوباما عن «الكرامة» أكثر مما تحدث عن «الديمقراطية» وحذر من أنه لا يمكن فرض الحكم الذاتي.

ومع ذلك، صور أوباما نفسه على أنه مخلص للعرف الأميركي المتمثل في دعم الديمقراطية. وفي مقالة له عام 2007 في مجلة «فورين أفيرز»، كتب الرئيس أوباما يتحدث عن نظرته للعالم قائلا: «يجب أن يتمكن المواطنون في كل مكان في العالم من اختيار قادتهم في مناخ خال من الخوف».

وقد تصرف أوباما بناء على هذه العقيدة في بعض الأحيان، حيث التقى مع المنشقين مثل الدلاي لاما، وتعامل بأناقة مع التقدم الديمقراطي في بورما، وامتدح الديمقراطية في شنغهاي.

وبصفة عامة، أظهر أوباما شغفا قليلا بتلك القضية، ويقوم كل رئيس بالمناورة في نطاق ضيق إلى حد ما، وقد تعمل الظروف والكونغرس والرأي العام على إجبار الرئيس، حتى لو لم يكن يبالي بذلك، على تعزيز الحريات في بعض القضايا، في حين يتعين على من لديه حماس كبير ويؤمن بذلك تماما أن يوازن بين قضية الديمقراطية والكثير من الأولويات الأخرى، وتظهر ميول واتجاهات أي رئيس بصورة تدريجية، ولا سيما في رد فعله على الأحداث غير المتوقعة.

وكان أكبر حدث غير متوقع في الفترة الرئاسية للرئيس أوباما هو الربيع العربي، وقد تعامل أوباما مع ذلك الحدث، سواء في كل حالة على حدة أو في المجمل، على أنه اضطراب غير مرغوب فيه، وليس على أنه حدث تاريخي.

في مصر، ساندت الإدارة الأميركية الرئيس مبارك حتى الرمق الأخير، وتجاهلت الديمقراطيين العلمانيين الذين كان يعتقلهم مبارك، ثم قامت بمساندة المجلس العسكري الذي تولى مقاليد الأمور خلفا لمبارك وقدمت له المساعدات العسكرية، رغم الوعود الكثيرة التي لم يلتزم بها المجلس بشأن الديمقراطية، واستجاب أوباما للفرنسيين والبريطانيين وتدخلوا عسكريا لإنقاذ الثوار الليبيين، ولكنه قدم دعما أقل للثوار السوريين، رغم أن عدد الضحايا في سوريا قد فاق عددهم في ليبيا بكثير، كما تفهم الوضع في البحرين والمملكة العربية السعودية.

وكان الشيء اللافت للنظر، بصورة أكبر من التردد الأميركي، هو هذا الغياب لوجود أي استغلال شامل أو رفيع المستوى لتلك الفرصة الاستراتيجية. قبل عقدين من الآن، وإثر انهيار ما يسمى بالستار الحديدي، قادت الولايات المتحدة تحالفا غربيا انقض على الفرصة السانحة لتعزيز الديمقراطية في المنطقة الممتدة من سلوفاكيا وحتى استونيا، ومع ذلك، لم يتم استغلال الفرصة المتاحة لتعزيز الديمقراطية في قلب العالم الإسلامي بنفس الصورة.

ويتفق هذا مع موقف أوباما في مناطق أخرى، حيث ظل بمعزل عن الثورة الخضراء في إيران، كما فشل في الحفاظ على القوة المتبقية في العراق والتي كان من الممكن أن تساعد في حماية المكتسبات الديمقراطية للعقد الماضي، وقام أوباما بتعزيز التواجد العسكري في أفغانستان، ولكنه صور مهمة هذا التواجد بشكل شبه كامل على أنه يهدف لحماية الأمن الأميركي، رغم أنه قد صرح في مناسبات نادرة وبصورة ثانوية على أنه يهدف أيضا إلى مساعدة الأفغان على العيش في حرية.

وفي البلدان التي حظيت باهتمام أقل مثل أذربيجان وكازاخستان، اكتفت الإدارة الأميركية بالعمل مع الأنظمة المستبدة، واضطرت إلى التراجع عندما قام الديمقراطيون، كما في قرغيزستان، بالإطاحة بالأنظمة الاستبدادية. وعندما خسر أوباما رهانه على الرئيس ديمتري ميدفيديف في روسيا، اتجه بسرعة إلى فلاديمير بوتين. وفي الصين، تم ضبط الأمر مبكرا عندما قالت وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون إن الإدارة ستناقش قضايا حقوق الإنسان، «ولكن تركيزنا على تلك القضايا لا يمكن أن يتعارض مع الأزمة الاقتصادية العالمية وأزمة تغير المناخ العالمي والأزمة الأمنية».

ويرى مؤيدو أوباما أن الفتور الواضح في تأييده للديمقراطية يعكس حالة البراغماتية الشديدة التي يتمتع بها، لأنه بحاجة إلى طريق إمدادات عبر روسيا إلى قوات حلف الناتو في أفغانستان، كما أنه بحاجة إلى التعاون الصيني فيما يتعلق بأسعار العملات، ولا يريد أن يتم التأثير على ذلك لمجرد الشعور بالسعادة بسبب دعم ومساندة قضايا حقوق الإنسان.

ومع ذلك، فإن موقف أوباما يعكس حالة المثالية التي يتميز بها، والتي تقدر القانون الدولي والتحالفات أكثر من تعزيز الديمقراطية، حيث إن انتفاضة الديمقراطيين في إيران قد هددت آماله بالتفاوض مع القادة الإيرانيين للوصول إلى اتفاق بشأن الملف النووي الإيراني، كما أن تقديم الدعم للديمقراطيين في سوريا يتطلب الحصول على موافقة من مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، وهو ما لا يمكن الحصول عليه من دون موافقة روسيا والصين.

وفي الحقيقة، كان يمكن التنبؤ بمواقفه من خلال المقالة التي كتبها عام 2007، والتي كانت تحتقر «التفكير التقليدي» لإدارة بوش التي كانت ترى المشكلات على أنها «قائمة على مصالح الدول»، وقد تعهد أوباما بـ«إعادة بناء التحالفات والشراكات والمؤسسات الضرورية لمواجهة التهديدات المشتركة».

ولا يوجد أدنى شك في أهمية التحالفات أو إهمال الرئيس بوش الجسيم لتلك التحالفات، ولا سيما خلال فترة ولايته الأولى، ومع ذلك، فإن الحقيقة هي أن التحالفات «قائمة على مصالح الدول»، كما أن الأنظمة التي لا تكترث بحكم القانون في الداخل لا يمكن أن تكون شركاء يعتمد عليهم في تطبيق حكم القانون في الخارج.

وقد يؤدي هذا، بدوره، إلى تفسير السبب في أن الكثير من الأهداف الرئيسية التي حددها الرئيس أوباما في بيان رؤيته – السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين وتأمين جميع المواد النووية والاستجابة الدولية لمشكلة تغير المناخ – لا تزال بعيدة المنال حتى الآن. وعلى المدى البعيد، فإن الاكتراث بالحرية قد يؤدي إلى تشكيل عالم يمكن أن يتم فيه حل تلك المشكلات.

* خدمة «واشنطن بوست»