الحالة المصرية.. بنظارات غير سوداء

TT

بين الأسماء التي طرحت نفسها لسباق الرئاسة في مصر، سواء من «الإخوان» أو السلفيين أو شخصيات لعبت دورا صغيرا أو كبيرا في النظام السابق، قد لا تكون هناك شخصيات ترضي غرور أو رغبات النشطاء الشباب الذين أطلق عليهم مصطلح جيل الـ«فيس بوك» والـ«تويتر» الذين كانوا الشرارة والمالك الأصلي للثورة ولما حدث في 25 يناير (كانون الثاني) 2011 وانتهى خلال 18 يوما بإسقاط رأس النظام السابق.

لقد دخلت المرحلة الانتقالية شوطها الأخير بإقفال باب الترشح لانتخابات الرئاسة التي ستأتي، لو سارت الأمور حسب الجدول الزمني المقرر، بأول رئيس للجمهورية الثانية في مصر بعد الثورة التي حدثت في 25 يناير.

وليس صعبا ملاحظة جو التشاؤم أو حالة الندب والشعور بالهزيمة، خاصة بين القوى التي ترى أنها القوى الثورية الحقيقية وصاحبة مشروع 25 يناير في المشهد الحالي، والتي يلخصونها بحالة استقطاب أمام خيارين؛ الأول «إخواني» وربما يتحالف معه السلفي لينتج أحد نموذجين: الإيراني أو التركي، ولا يعرف فيه من هو السيد الرئيس أم المرشد؟ والخيار الثاني نظام مدني تقوده شخصيات النظام القديم بما يصفه أصحاب مشروع 25 يناير بأنه إعادة إنتاج للنظام القديم.

عام وبضعة شهور مرت على الشرارة التي انطلقت في 25 يناير وجرت مياه كثيرة ودماء، وانقلبت التحالفات والوعود، واختلف الكل مع الكل، وجاء برلمان بهيمنة إخوانية – سلفية، ومثله جمعية تأسيسية متعثرة لوضع الدستور، وكان الواضح أن جزءا كبيرا من السبب الأصلي في العثرات والمطبات هو رغبة كل قوة سياسية في الاستفراد بالمشهد وإقصاء الآخرين، وباعتبار أن الإسلام السياسي متجذر في الشارع وفي الحركة السياسية منذ أكثر من عقدين، وتحت نظر النظام السابق، فقد كان من الطبيعي أن يستحوذ على حصة الأسد بالانتخابات الحرة حتى لو كان ذلك بزجاجة زيت أو كيس أرز للناخب، كما يقول مناهضوهم، فهذا الواقع وهم تعاملوا معه سياسيا.

مع كل ذلك، فإن المشهد ليس سوادا في سواد، وعلى العكس، فإن هناك الكثير الذي تحقق على صعيد الحريات السياسية وكسر حاجز الخوف وفتح موضوعات للنقاش كانت محرمة، وبينها دور المؤسسة العسكرية ووضعها في الدستور الجديد، وكذلك إزالة الهالة التي كان يضفيها «الإخوان» أو السلفيون على أنفسهم ويخيفون بها الآخرين، فقد أصبحوا على الطاولة يمارسون السياسة ويتلقون سهامها. كما جاء برلمان في انتخابات نزيهة لم تحدث منذ 60 عاما حتى لو كانت نتيجته غير مرضية لفكرة الدولة المدنية، وحتى انتخابات الرئاسة التي على الأبواب مليئة بالإثارة والمفاجآت وتعددية حقيقية، ولم تعد مملة ولا معنى لها مثل السابق، ولو أزلنا النظارات السوداء سنرى أن ما تحقق خلال 15 شهرا جيد وأحدث نقلة في الحياة السياسية حتى لو سلمنا بأن المسيرة كان يمكن أن تكون أفضل من ذلك أو بتكلفة أقل لو تم التفكير فيها بشكل أنضج، ولكن ماذا نفعل إذا كانت القوى جميعها بلا استثناء مرتبكة.

ما نراه حاليا أمامنا هو نتاج طبيعي لتوازنات القوى في المجتمع المصري، فعلى حد قول صديق محلل سياسي من القاهرة فإن الشباب أشعلوا الثورة فعلا لكن القوى الجاهزة الموجودة على الأرض هي التي تسلمتها؛ فـ«الإخوان» لهم رصيد في الشارع ولديهم ماكينة سياسية قوية رأيناها في الانتخابات، والمجلس العسكري يملك القوة والأدوات التنفيذية لإدارة الدولة، بينما القوى الليبرالية أو الأخرى لم تكن جاهزة، وما زالت حتى الآن غير جاهزة، بدليل أن أي انتخابات جديدة ستجرى الآن ستكون نتيجتها تقريبا مثل السابقة.

وما يجب على القوى الحريصة على مدنية الدولة، والتي يعتقد أنها تعبر عن الشريحة الكبيرة من المجتمع، أن تضعه في اعتبارها هو كيف تغير هذا الواقع وتملك هي الأخرى الجاهزية السياسية بتوحيد قواها، وببرنامج واضح، وتكون قوة ضغط في فترة إعداد الدستور وفترة الرئيس المقبل، فهذه ليست آخر انتخابات، وانتخابات الرئاسة مجرد خطوة جديدة في المرحلة الانتقالية.