الاستحمام والاستنقاع

TT

من المعروف أن أغلب الناس يستحمون دائما بالماء الساخن، ويعتقد أن اشتقاق لفظتي (استحم وحمام) إنما هي أتت من (الحميم) - والعياذ بالله.

أما (الاستنقاع) بالماء البارد وخاصة البحر، فإنه حديث عهد جدا نشأ في القرن التاسع عشر فقط على يد أحد الإنجليز، ولست متأكدا من صحة هذه المعلومة (شبه المغلوطة)، ويبدو أن أكثر من يستمتعن به هن النساء في ظروف خاصة.

المهم أن الشيء الذي أنا متأكد منه تماما أنني من عشاق الاستحمام وكذلك الاستنقاع نوعا ما، ولو لم يخلقني سبحانه وتعالى إنسانا، لكان قد خلقني من دون أدنى شك (ذكر بط) يقضي يومه كله إما في السباحة أو التشمس أو مطاردة الأناثي من البطات أو البطاط – لا أدري أيهما أصح؟!

ولي في هذا المجال ثلاثة مواقف، إن دلت كلها على شيء فإنما تدل على (رعونتي) القصوى، وهناك فرق شاسع بين الشجاعة والرعونة، والمشكلة التي تلازمني دائما ولا أدري كيف أتخلص منها، أنني إنسان فطرت على حب الاكتشاف والتجريب، ولو أنني مثلا شاهدت رجلا يدخل (جحر ضب) لتبعته دون مبالاة ولا تفكير، فقط للعلم بالشيء.

الموقف الأول حصل لي في ألمانيا عندما زين لي أحدهم روعة الاستحمام بالطين والطحالب، وقبل أن ينهي كلامه كنت قد عقدت العزم على خوض التجربة، وفعلا غطست في بحر من (الوحول)، ويبدو أنني من شدة حماستي أصبحت كالطفل الفرحان الذي يلعب، ولم أتقيد بتعليمات ونصائح المشرف ودخل الطين في خشمي وسد طبلة أذني، وتأذت عيناي من زخم الطحالب، وكانت هذه هي المرة الأولى والأخيرة في هكذا نوع مكلف من الاستحمام، الله لا يعيده.

والموقف الثاني عندما كنت سائحا في بلد استوائي، وقد استهواني البحر و(الطقس) الذي تكاد تكون درجة الحرارة فيه ثابتة لا تتغير ليلا أو نهارا.

ومن صباح رب العالمين انطلقت ركضا إلى البحر من الفندق الواقع على الشاطئ لا يسترني غير (المايوه)، وياما سبحت وياما غطست وياما تشمست وياما تقلبت على الرمال كالحرباية، وعندما تيقنت أن صلاة الظهر قد وجبت خرجت ولبست (الروب الساتر)، وتنحيت بعيدا عن كل مناظر الشاطئ وتوضأت وصليت ولله الحمد الظهر والعصر (قصرا وجمعا)، ثم عدت سريعا أمارس هواياتي مع قليل من العصائر والساندويتشات، ولم أتوقف عن ذلك إلا بعد مغيب الشمس، ومن جهلي ورعونتي نسيت أن أدهن جسمي ببعض الكريمات الواقية، بعدها بدأ جلدي يتشقق ويتسلخ، وأصبح منظري يدعو للهزؤ والشفقة.

أما الموقف الثالث، فقد حصل عندما راهنني أحدهم أن أمكث ربع ساعة كاملة في (الساونا) وهي في أقصى درجات حرارتها، ثم أخرج منها رأسا وأقفز في بركة عميقة ممتلئة بالثلج، وبما أن الرهان كان على أن يدفع إيجار غرفتي في الفندق لثلاث ليال فقد وافقت وأنا (مغمض)، وهذا هو ما حصل فعلا عندما انطلقت من الساونا كالمعتوه وقذفت بنفسي بالبركة وأحسست عندها بالصدمة والشلل والإغماء، والخجالة أن إحدى النساء العاملات هناك هي التي أنقذتني.

أبشركم أنني كسبت الرهان ودفع هو الإيجار، ولكنني ظللت طوال الأيام الباقيات طريح الفراش، ودفعت للطبيب المعالج أكثر من إيجار الغرفة.

[email protected]